متفرقات

وإسرائيل : “وِحْدَةُ ساحاتٍ” أميركية

بقلم : الوزير السابق جوزف الهاشم

 

بين الولايات المتحدة وإسرائيل زواجٌ تاريخي لا يكونُ طلاقٌ معـه إلاّ بالموت ، وحين يقَعُ بينهما اختلافٌ أو تبايـنٌ أوْ جفاف ، فهما بذلك ينطبق عليهما ما يُقال عن الزوجينِ الأميركيَّـين : يتشاجران في النهار ويتصالحان في الليل .

إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط هي أميركا المصغّرة ، بل هي تشكّل “وحدَةَ ساحاتٍ” عسكرية أميركية ، وتشكّل مع حلفاء أميركا الأوربيّـين والعرب، وحـدَة ساحات سياسية في مواجهة الفتح الفارسي الجارف الذي ملأَ الدنيا وشغل الناس .

في مجال المواجهات بالساحات ، لا بـدَّ للجمهورية الإيرانية من أنْ تزوّد ساحاتها بالعتاد والمال والسلاح ، لتعزيز انتشارها والدفاع عن مشروعها في المنطقة ، مثلما تزوّد أميركا ساحاتها بالدعم والمال والسلاح ، لتعزيز حضورها والدفاع عن وجودها .

تاريخياً : لأن الذاكرة الأميركية لا تمتلك المخزون التاريخي الفرنسي – البريطاني في منطقة الشرق الأوسط لجهةِ الواقع العقائدي والديني والشعبي ، فقد كانت غالباً ما تقع في مغبَّـةِ سواد الرؤية وسوء التقدير .

فالولايات المتحدة مثلاً كانت تدعم نهضة الرئيس جمال عبد الناصر بحجّة أنّ التعامل مع رئيس عربي واسع الظلال قـويّ السيطرة ينطـقُ باسم الأمـة ، هو أجدى من التعامل مع مجموعة دولٍ تتجاذبها مصالح متضاربة ، في ظلّ قيام أنشطةٍ هيّاجة تحت لـواء القومية العربية .

ولكنّ الرئيس عبد الناصر ، ما لبثَ أن انقلب عليها وسخّر كـلَّ طاقات الأمّـة في مواجهة ذلك الذي إسمه “الإستعمار” .

والولايات المتحدة ، هي التي ساهمت أيضاً في تأمين الغطاء لانتقال الإمام الخميني من فرنسا إلى “إيـران” ، إنقلاباً على أحـد أعـزّ حلفائها : “الشاه محمد رضا بهلوي” بحجَّـة محاربة الإتحاد السوفياتي الملحد ، بسلاح حكمٍ ديني إسلامي عاصف على الحدود الروسية .

ولكنّ الإمام الخميني كان أول ما وجّـه سلاحَـهُ العنيف إلى “الشيطان الأكبر” .

ولست أدري ما إذا كانت الولايات المتحدة قد تغاضَتْ عن هذا الإنتشار الإيراني الواسع والمسلّح في المنطقة ، ما جعل “أيـران” ذات قـوة إقليمية فائقة ، وتأثير دولي بارز ، ونفوذ راجح في عواصم عربية متعدّدة .. ومع هذا ، لا تزال أميركا بالنسبة إلى “إيـران” وحلفائها هي “الشيطان الأكبر” … وأكثر .

باختصار : إنّ هذا الحلف اللّصيق بين أميركا وإسرائيل لم يكن من باب تحقيق المصالح المتبادلة بما يعرف في العلائق الدولية ، بل هو حلفُ حياةٍ أوْ مـوت بالنسبة إلى إسرائيل ، وهو بالنسبة إلى أميركا وجـودٌ أو عـدم وجـود .

بعد هذا الإنحدار الذي حقّقـه “طوفان الأقصى” لِعظَمـةِ إسرائيل لم يعدْ في وسع إسرائيل أنْ تقول : “من بعدي الطوفان” .

وبعد هذا الطوفان الإيراني العسكري ، الديني في المنطقة ، لم يعد في وسع أميركا أن تقول بلسان النبي سليمان : “أَعطني مُلْكاً ليسَ لأحـدٍ بعدي” .

ولكن ، في السياسة كما في الحرب ، أيُّ انتصار على حساب مصير الشعوب هو انكسار ساحق ، الشعب البريطاني ارتضى قيادة تشرشل في حالة الحرب ، وما انتهت الحرب العالمية الثانية حتى تحوَّل إلى قيادة “كليمنت إتلي “Attlee” الأقلّ غطرسةً عسكريةً بهدف السلام .

المشكلة في هذه المنطقة في أنّ القيادات التي تحكم الشعوب وتتحكّم بالشعوب هي قياداتُ حربٍ في حالـة الحرب وقياداتُ حربٍ في حالة السلم .

وما على الشعوب إلاّ أن تظلَّ ضحيةً مفجوعةً بالمذابح والتشرّد والتدمير والتهجير ، وما علينا إلاّ أنْ نردّد معها ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش ذات يـوم :

إنَّا نفكّرُ بالدنيا على عجلٍ فلا نرى أحداً يبكي على أحدِ .

 

عن جريدة الجمهورية

بتاريخ : 19/4/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى