والسلامُ أيضاً سلاح
بقلم : الوزير السابق جوزف الهاشم
“.. سلامُ لبنان هو أفضلُ وجـوهِ الحرب مع إسرائيل ، وتعثُّـر السلام في لبنان إنتصارٌ مستمرٌّ لها (1) ..”
الإمام موسى الصدر .
ماذا يعني كلام الإمـام ، وهو صاحب الصرخة المقاومة الضارية ضـدّ إسرائيل …؟
إنّـه في المطلق يعني تماماً ما تتوخّاهُ الأثواب الدينية من سلامٍ على أرض الإنسان …
وبهذا يقول القديس “أوغسطينوس” : “لا نصنع السلام لنصلَ إلى الحرب ، بل نصنع الحرب لنصل إلى السلام …”
كلامُ الإمام في بُعْـدِهِ الوطني يُقارِنُ بين صيانةِ الصيغة اللبنانية وعنصريّـة الوجود الإسرائيلي ، أيْ أنّ لبنان المقسّم ولبنان المهدّم ولبنان المتخلّف ، والمتقهقر حضارياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً ، والمنعزل عن محيطـهِ وعن العالم الكوني ، هذا اللّبنان يفقدُ العناصر البنيويّة التي تشكّل مضاربةً حيويـةً للوجود الإسرائيلي .
بمعنى آخـر … إذا كانت استراتيجية إسرائيل الوجودية قائمةً على سلاح الحرب ، فإنّ السلام يصبح هو أيضاً السلاح المضادّ في مواجهتها .
نحن نعلم ، أنّ إسرائيل لا تزال تستوحي ذلك الخطاب الذي ألقاه “ونستون تشرشل” في مجلس العموم البريطاني في خريف 1941 حين قال : “يطالبنا اليهود بأنْ نُطلق يـدَهُم في فلسطين والجنوب اللبناني مقابل أنْ تضـع اليهودية العالمية إمكاناتها في خدمـة بريطانيا .
وهي تستوحي ما قامت عليه فلسفة القيادي في الحركة الصهيونية “زئيف جابوتينسكي” : “بأنّ العرب هم أعـداء تاريخيون لليهود ويجب التعامل معهم بوحشية وحقـدٍ واستعلاء…”
ووفـق هذه الفلسفة ، وما جاء في وصايا العهد القديم وتابوت العهد ، ترسَّختْ بِـدعةُ الإيمان عند اليهود بأنّ آلهَـهُم المحارب سيقود معركتَهُمْ الأخيرة لتحقيق انتصاراتهم على الشعوب الأخرى .
والحقيقة ، أنّ آلهَـهُم المحارب ليس ذلك الجبّـار السماوي الذي شيطَنوهُ في النصوص ، بلْ هي شيْطنـةُ الجبّار الأرضي الذي ينتصرون بـه في معارك منطقة الشرق الأوسط ، والذي يحتمون بـه عبـرَ معارك الإدانـة في مجلس الأمن بواسطة “الفيتـو” .
هذا يؤكّـد ، أن المعارك العسكرية لإزالة إسرائيل من الوجود ، يستعصي تحقيق أهدافها ، ما لم يتـمّ عـزْلُ هذا التزاوج اللّصيق بين إسرائيل والولايات المتحدة .
وهذا لا يعني “أنّـنا نقلّل من أهمية المقاومة ، بقدر ما يكون استغلال الفرص السياسية والدبلوماسية أمـراً مُلحّاً لوقْـفِ مجازر الـدم البريىء حتى يقضي الله أمـراً كان مفعولا .
سؤالٌ يراودُ الأذهانَ البشرية ، ويطرحهُ ضحايا الـدم البريىء على المنظمات الدولية …؟
إذا كانت كلُّ حـرب مهما طـال أمَـدُها لا بُـدّ من أنْ تنتهي بمعاهدة سلام أيّـاً كان المنتصر أو المنكسر ، وإذا كانت الحلول السياسية تـتمَّ دائماً بعد الحروب العسكرية ، فلماذا لا تكون الحلول الدولية قبل الحروب التي تأتي دائماً على حساب دمـاء الشعوب …؟ إلاّ ، إذا “كانت رغباتُ الإنسان تشبَعُ من كـلّ شيء إلاّ من الحرب” : كما جاء في كتاب الإلياذة لمؤلّفـة هوميرس ..
في خلاصة الوقائع ، علينا أنْ نعرف كيف يؤدّي السخاء بالـدم إلى تحقيق الهدف …
إذا كانت المجازر الوحشية التي ارتُكبت في فلسطين قـدْ كوكبتْ حولها تنديداً معظمَ الشعوبِ الحضارية في دول العالم وجامعاتها …
وإذا كانت دولـة فلسطين قد نالت العضويَة الكاملةَ في الأمـم المتحدة بشبه إجماع الأصوات .
فلماذا لا تستفيد الساحات الدبلوماسية والسياسية ممّا كسَبَـتْه القضيةُ الفلسطينية من دعمٍ دولي غير مسبوق لإقامة الدولة الفلسطينية المرفوضة إسرائيلياً ، حتى لا تظلّ دولةً وهمّية تترجّح بين الحرب والسلم ، وبين الموت والحياة …؟
في زمـن السلم : الأبناء يدفنون الآباء ، وفي زمـن الحرب الآبـاء يدفنون أبناءَهُم .
هل يقول لنا قائل : متى تنتهي في هذا الزمان مراسم الدفن …؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – مسيرة الإمام الصدر – دار بلال 2000 – الجزء الرابع – ص : 98 .
عن جريدة الجمهورية
بتاريخ : 14/6/2024