لبنان يعود الى مربّع السبعينات بين خطابين “قوة لبنان في ضعفه” أو ردع جيشه ومقاومته
كتب: كمال ذيبان
منذ انشاء الكيان السياسي لـ “دولة لبنان الكبير” عام 1920 بوعد من الجنرال الفرنسي غورو، والذي كانت بلاده منتذبة على لبنان، بموجب اتفاقية “سايكس ـ بيكو” في العام 1916 بين فرنسا وبريطانيا، فان اللبنانيين ما زالوا مختلفين حول هوية لبنان ونظامه، بالرغم من الصيغ التي ابتدعوها سواء في العام 1943، او في “اتفاق الطائف” عام 1989، وان الانقسام بينهم يظهر مع كل ازمة داخلية اكانت دستورية حول السلطة والصلاحيات، او سياسية تتعلق بموقف لبنان او موقعه من الصراعات العربية، وتحديداً من المسألة الفلسطينية وحرب الوجود التي يخوضها الشعب الفلسطيني وحيداً ضد العدو الصهيوني، اضافة الى دخول اطراف لبنان في “لعبة الامم” التي تقوم على لامصالح وبناء تحالفات اقليمية ودولية، وقد ساهم رسميون وسياسيون واحزاب فيه
واظهرت الحرب الاسرائيلية التدميرية على غزة، ومحاولة العدو الصهيوني اقتلاع شعبها عبر آلة القتل والدمار والتهجير، بان لبنان منقسم حول المشاركة فيها، كما فعل “حزب الله” الذي ساند المقاومة الفلسطينية في غزة، من خلال اشغال جيش الاحتلال الاسرائيلي في شمال فلسطين المحتلة على الحدود مع لبنان، ونجحت المقاومة في لبنان، عبر المواجهات العسكرية مع جيش العدو الاسرائيلي، ان يضع ثلاث فرق عسكرية عل الجهة الشمالية، وافراغ المستوطنات الـ27 من سكانها، وشل الاقتصاد في المنطقة، وخسر نحو 40% من ناتجه، ودمرت منازل ومؤسسات وتهجر نحو 80 الف مواطن من البلدات الجنوبية الحدودية، وتأثر لبنان بذلك، وهدده قادة العدو، بانه سيتحول الى غزة ثانية، بتدمير بيروت ومناطق اخرى، فكان رد المقاومة عليه، بان كل اسرائيل تحت مرمى الصواريخ التي يملكها “حزب الله”، وهو قادر ان يمد الحرب داخل الكيان الصهيوني من حيفا الى النقب، وان تتحول تل ابيب الى ركمة حجارة، باعتراف قادة عسكريين حاليين وسابقين، من ان “حزب الله” يمتلك اكثر من 250 الف صاروخ، ومنها المتطورة، وبامكانه اطلاق ما بين ثلاثة وخمسة الاف منها يومياً، وبقدرة تدميرية هائلة، هذا ما يسمى بـ “قوة الردع” التي يملكها لبنان، والتي تترك حكومة العدو الاسرائيلي، ومجلس حربها “الكابينت” يتريثون في توسيع الحرب على لبنان، وتقوم فرنسا واميركا ودول اخرى، بمساع في ان تبقى جبهة لبنان محصورة في اطار جغرافي
قوة الردع التي يملكها “حزب الله” والمجيّرة للبنان ضمن مقولة “الجيش والشعب والمقاومة”، لم ترق رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، الذي ورث عن جده الشيخ بيار ليس الحزب فقط، بل شعاره الذي كان يردده دائماً بان “قوة لبنان في ضعفه”، وما زال اللبنانيون يهزؤون منه، حيث كان من اسبابه، دخول قوة اسرائيلية الى مطار بيروت نهاية عام 1968، وتدمير 13 طائرة فيه تابعة “لطيران الشرق الاوسط”، ثم اغتيال ثلاثة قادة فلسطينيين بارزين في فردان في نيسان من العام 1973، اضافة الى قصف المخيمات الفلسطينية والاعتداءات على المدن والبلدات الجنوبية، دون ان يكون رد من لبنان، الا بالشكوى الى مجلس الامن الدولي، وفق ما يروي احد قادة الاحزاب الوطنية الذي عاصر تلك المرحلة، مما ادى الى نشوء ازمات سياسية داخلية تأتي عنها صدامات عسكرية ومواجهات، اذ كانت القوة والاحزاب الوطنية، ترفع مطالب لتسليح الجيش باسلحة متطورة، وان تكون له عقيدة قتالية في مواجهة العدو الصهيوني، فكان الرد من “الفريق الانعزالي” كما كان يسميه ومكوّن من حزبي الكتائب والاحرار، بان لبنان يحميه ضعفه وحياده وصداقاته الدولية والقوات الدولية (البوليس الدولي كما كان يسميه ريمون اده
فالخلاف اللبناني ـ اللبناني، حول موقع لبنان من الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، او العربي ـ الاسرائيلي يعود الى ذلك الزمن وما زال، وانقسم اللبنانيون بين مؤيد للمقاومة الفلسطينية، وحقها في الكفاح المسلح، وبين رافض لها، وارتد ذلك على استخدام الجيش، سواء ضد العدو الاسرائيلي او في الصراع الداخلي، ونتج من ذلك، بان الجيش اثناء الحرب الاهلية انقسم الى الوية مذهبية وطائفية ومناطقية او عدم الالتحاق باي من الاطراف والمكوث في المنازل، لان الجيش الذي يتخذ اوامره من السلطة السياسية، لم تكن تعطيه قرار مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية، وكان الخلاف بين اللبنانيين حول قرار الحرب والسلم، الذي اعتبره “الفريق الانعزالي”، انه تمت مصادرته من “المنظمات الفلسطينية”، التي حاول “اتفاق القاهرة” الذي ابرم في العام 1969، ان ينظم العلاقة بين الجيش والمقاومة الفلسطينية واماكن تواجدها، يقول المرجع، لكن تطورات داخلية تتعلق بطرح الحركة الوطنية اصلاح النظام السياسي، وبروز الحرب الباردة بين اميركا والاتحاد السوفياتي وحلفائهما اثر بلبنان، الذي تخندق اطرافه في محورين وصراعين اميركي ـ سوفياتي، اضافة الى تجاذب عربي حول لبنان سوري ـ عراقي وليبي ـ مصري وحضور سعودي.
فعناوين السبعينات تستعاد في القرن الواحد والعشرين، ومنذ دحر الاحتلال الاسرائيلي عن لبنان في 25 ايار 2000، حيث ظهرن فئة من اللبنانيين، لطلب “حزب الله” بتسليم سلاحه، واخراج لبنان من هانوي الى هونكونغ، والتماهي مع حملة “السلام” في المنطقة، لكن “حزب الله” رفض ذلك، وربط وجود سلاحه، بالاحتلال الاسرائيلي لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي لبلدة الغجر، اضافة الى حماية المياه اللبنانية واستثمارها في الوزاني والليطاني، والتي كان ممنوعاً على لبنان ذلك، كما ان وجود السلاح وهو مشرّع، ليبقى جاهزاً في ردع اي عدوان اسرائيلي على لبنان، وهذا ما حدث في حرب تموز 2006، واليت لم تمكن العدو الاسرائيلي من تحقيق اهداف حربه، كما في غزة منذ نحو اربعة اشهر.
فالدعوة الى الحياد، ثم رفض الجميل وحلفاء له، ان يكون لبنان جبهة قتال مع العدو الصهيوني، وهو ليس معنياً بالحرب على غزة، يعيد الى المربع الاول لستينات القرن الماضي، حيث اسس الخلاف الداخلي حول الاساسيات بين اللبنانيين لهويته ونظامه كما لتحالفاته وانخراطه في الصراع مع العدو الصهيوني، الى حصول حرب اهلية، التي ظهرت في اثنائها مشاريع التقسيم و “الفدرلة”، وهو الخطاب الذي يعيد نفسه منذ سنوات مع استمرار سلاح “حزب الله” وعدم الاتفاق على استراتجية دفاعية وان البعض يستغل ما يجري في الجنوب للذهاب الى لبنان.