بين الروم الكاثوليك والروم الأرثوذكس… “ديون” كبيرة لا أحد يقبل الاعتراف بها!…
أنطون الفتى – وكالة “أخبار اليوم”
1724 – 2024. من المُفتَرَض أن تحتفل كنيسة الروم الكاثوليك بسنتها اليوبيلية العام القادم، وهو ذكرى مرور 300 عام على انطلاقتها، حتى ولو تأخّر الاعتراف بها رسمياً بشكل فعلي من قِبَل السلطنة العثمانية، الى ما بعد عقود آنذاك.
معنى؟
ولكن هل من سبيل لمنح السنة اليوبيلية معنى فعلياً، إذا بقيت النشاطات والمناسبات التي من الممكن أن ترافقها على مستوى “تبويس اللّحى”، و”لا تذكروا هذه النقطة أو تلك”، لأن “ما بدنا نزعّل حدا”؟
وهل يستقيم الاحتفال بيوبيل، من دون مصارحة تجاه الذات أولاً، قبل الآخرين؟
الإيمان المستقيم
وانطلاقاً ممّا سبق ذكره نقول، لا بدّ للسنة اليوبيلية أن تعلّم أبناء تلك الكنيسة قبل سواهم، أن الروم الكاثوليك ليسوا كياناً “مُعادياً” للأرثوذكسية كما يحلو للعدد الأكبر من الأرثوذكسيين أن يقولوا، ولا هم (الروم الكاثوليك) حُفنة من الخَوَنة لكنيستهم الأرثوذكسية، ولا أولئك الذين فضّلوا امتيازات وأموال الغرب على “الأمانة” للإيمان المستقيم.
فالإيمان المستقيم موجود في كل مسيحي يحيا من دون خطيئة، فيما انغمس بعض الأرثوذكسيين بجرائم حقيقية ضدّ النواة الكاثوليكية التي كانت بدأت تتشكل في قلب الكنيسة الأرثوذكسية، والتي كانت تنادي بالشراكة مع روما من جديد، وذلك منذ ما قبل عام 1724 بكثير.
اضطهاد
فعلى سبيل المثال، تورّط بعض الأرثوذكسيين في سوريا بقتل رجال إكليروس وعلمانيين أرثوذكسيين، أرادوا الوحدة مع روما، منذ ما قبل عام 1724، وراحوا يربّون الرعية على وجوب اضطهاد تلك النّواة.
كما تمّت ملاحقة بعضهم الآخر الى لبنان، وتشويه سمعتهم عبر اتّهامهم بسرقة أواني كنسية من كنائس وكاتدرائيات أرثوذكسية في سوريا، كان جلبها بطاركة أرثوذكس معهم من زيارات قاموا بها الى روسيا القيصرية وبلدان البلقان في أوقات سابقة. فيما اضطّر بعض رهبان الأديار الأرثوذكسية الى الخروج من أديرتهم هرباً من الاضطهاد الأرثوذكسي داخل أديرتهم، إذ إنهم ما عادوا ينظرون الى البابوية كعدو، الى درجة أن بعضهم فقد حياته بسبب ذلك.
القسطنطينية
وأكثر من ذلك، أكثر بعض الأرثوذكسيين من اضطهاد الأرثوذكسيين الراغبين بشراكة الإيمان مع روما، الى درجة أن بعضهم قصدوا اسطنبول (القسطنطينية)، وقابلوا السلطان العثماني طالبين منه عدم الاعتراف بالأرثوذكسيين الجُدد (الروم الكاثوليك) ككنيسة جديدة، داعين إياه الى تشديد الخناق عليهم، مؤكدين له أن تلك الفئة الجديدة “ضالّة”، وصديقة للغرب المُعادي للإسلام، وخارجة عن الغطاء الذي منحته الكنائس الأرثوذكسية للعثمانيين بعد غزوهم القسطنطينية، والذي أخذ شكل اتّفاقات كانت تحصل بين بطريرك القسطنطينية والسلطان العثماني، وكانت تمنح البطريرك امتيازات كثيرة، من بينها الحصول على الضرائب، وعلى غيرها من الأمور.
حقيقة مع الذات
في المحصّلة، لا سنوات يوبيلية ناجحة للروم الكاثوليك من خارج الإطار الروحي والزمني الكامل الذي انبثقوا منه، أو إذا عُتِّمَ على الحقائق مهما كانت، أو إذا كان الهدف من اليوبيل هو “التجميل” بحجة عدم فتح جروح الماضي.
فكل جرح يختم على التهاب، يُبقي المرض داخل الجسد. وإذا لم يَكُن لدى أحد أي سلطان لإجراء مصارحة تدفع الكنيسة الأرثوذكسية (الحالية) للعودة الى داخلها ولو قليلاً، بهدف القيام بإعادة تقييم لكثير من الأمور، وصولاً الى حدّ طلب الصّفح ربما على ممارسات حصلت في جسدها قبل ثلاثة قرون، فيما لا تربة لتلك الممارسات في الكتاب المقدّس، (إذا لم يَكُن من سلطان لدفعها الى ذلك)، فلا بدّ من جعل سنة اليوبيل سنة حقيقة مع الذات بالنّسبة الى الروميين الكاثوليك، على الأقلّ، خصوصاً أن قسماً لا بأس به منهم “فاشل” من حيث أنه لم يفهم معنى الشراكة مع روما حتى الساعة، وهو يتبنّى الرواية التي تقول إن الروم الكاثوليك حركة “مُعيبة” في الجسم الأرثوذكسي، كانت من نتيجة الإرساليات الأجنبية التي شكّلت “اجتياحاً كاثوليكياً” للشرق خلال فترات معيّنة.
الرقم 10
علّق مصدر مُطَّلِع على السنة اليوبيلية لكنيسة الروم الكاثوليك العام القادم، فأكد “وقف العمل على أي نشاط لتلك المناسبة. والسبب هو أن لا اهتمام بذلك في الوقت الحالي”.
واعتبر في حديث لوكالة “أخبار اليوم” أن “الحاجة ماسّة حالياً لشدّ الرُّكَب الرّخوة في الطائفة. فمعظم الشخصيات النافذة فيها تابعة مع الأسف، الى درجة تجعل تصنيفها في خانة الرقم 10، وليس الرقم 2 أو 3 أو 5 مثلاً، في أي مكان يمكن لها أن تتواجد فيه. فلا زعامات فعلية في الطائفة قادرة على إحداث أي تغيير، فيما يقتصر دور الأكثرية الساحقة من البارزة منها على الساحة، بالوقوف عندما يُطلَب منها أن تقف، وبالجلوس عندما يُطلَب منها أن تجلس”.
ضُعف
ولفت المصدر الى “أسباب كثيرة تعرقل إحداث حركة تنشيط لتلك الطائفة، منها أنه إذا برز أي قويّ فيها، يصطفّ الجميع لمحاربته، خصوصاً أولئك الذين ينتمون الى أحزاب. فتلك الأخيرة تريد للجميع أن يسيروا تحت أجنحتها، بينما لا يقبل من لديه كرامة بأن يخضع لذلك”.
وختم:”هناك عوامل كثيرة ساهمت بالضُّعف الذي يُحيط بدور طائفة الروم الكاثوليك. فقسم من رجال الدين فيها تُرفَع لهم القبّعة بقداستهم وأنشطتهم، ولكن قسماً آخر منهم انغمس بأعمال فاسدة، منها ما يرتبط بالمال مثلاً. وأما بالنسبة الى القديسين الحقيقيين منهم، فكانت مشكلتهم أنهم لا يريدون أي مشكلة مع أحد، فاتّبعوا في عملهم طريقة “افعلوا ما تريدونه ولا تطلبوا شيئاً مني”. وبهذه الطريقة جعلوا أنفسهم خارج ما يحصل، الى درجة أن بعضهم لم يَقُم بأي مبادرة ملموسة”.