سلام يُلملِم سقطاته وحكومته أقلّ من عادية

كتبت صحيفة “الأخبار”: «المطبّلون» منذ سنوات لتولّي القاضي نواف سلام رئاسة الحكومة لطالما روّجوا للرجل كصاحب مسيرة دبلوماسية وتجربة أكاديمية كفيلتين بإنتاج تجربة سياسية استثنائية.
لكن أقل من أربعة أشهر من عمر الحكومة العتيدة أظهرت أنه رئيس حكومة عادي في ظروف استثنائية، وقع في كثير من المطبات، وأظهر تسرّعاً ونزقاً في التعاطي مع العديد من الملفات الحساسة، دائم التوتّر، يتهرّب من المواجهة بالانفعال، ويلجأ في أحيان كثيرة إلى افتعال معارك دونكيشوتية وإطلاق وعود غير قابلة للتنفيذ، كما حين طالب الرئيس السوري أحمد الشرع بتسليم «حبيب الشرتوني وقتلة كمال جنبلاط والمتهمين بالمشاركة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري». وعندما أجابه الشرع طالباً «تسليم قادة حزب الله الذين شاركوا في الحرب السورية»، وعده رئيس الحكومة بذلك، ولكنّ «الأمر يحتاج إلى أشهر».
كل هذا أدّى إلى تراجع الثقة بقدرة رئيس الحكومة على إدارة المرحلة الصعبة، وتقلّص مساحة الودّ بينه وبين معظم القوى السياسية، وخصوصاً الثنائي أمل وحزب الله.
هذا الجو المتأزّم شكّل جزءاً أساسياً من الزيارة «الإيضاحية» التي قام بها سلام لعين التينة أمس، وأكّد بعدها التزامه الكامل بما ورد في البيان الوزاري، وبملف إعادة الإعمار، مؤكداً أن الحكومة تعمل على حشد الدعم اللازم لهذا الملف، وملتزمة بتوفير التمويل المطلوب له.
وأشار إلى أن ملف السلاح «وارد بوضوح في البيان الوزاري، والجميع ملتزم به كما هو الالتزام باتفاق الطائف وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها»، مؤكداً التزام لبنان بمبادرة السلام العربية القائمة على حلّ الدولتين، وعلى دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وتعليقاً على تصريح رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في 25 أيار الماضي ورفضه التعليق على كلام رئيس الحكومة عن تصدير الثورة «حفظاً لبقية ودّ» مع سلام، قال الأخير إن «العلاقة مع حزب الله مهمة جداً، وهناك مكان كبير للودّ مع الحاج محمد رعد والحزب، وأبواب بيتي والسراي مفتوحة لأي حوار أو تواصل».
ونقل زوار الرئيس نبيه برّي عنه ارتياحه للاجتماع، وأنه «جرى الاتفاق على ملفات عدّة»، من بينها، وفق معلومات «الأخبار»، أن «تباشر الحكومة خطوات بشأن إعادة الإعمار، من خلال عملية مسح شامل كخطوة أولى».
وقد تعهّد رئيس الحكومة بـ«القيام بجولة اتصالات جديدة مع الخارج للمساعدة في تطبيق قرار وقف إطلاق النار». كذلك تطرّق البحث إلى ملف التعيينات، وأبلغ بري سلام بأنه «يدعم التمديد لنواب الحاكم الأربعة، كونهم أدّوا دورهم بشكل جيد خلال فترة غياب الحاكم الأصيل»، وأشار إلى رغبته بتغيير كامل وزني في لجنة الرقابة على المصارف مع الإبقاء على واجب قانصو في هيئة الأسواق المالية.
كذلك أبلغه موقف الثنائي الرافض لتعديل قانون الانتخابات مؤكداً على ربط الـ«ميغا سنتر» بإصدار البطاقة الممغنطة، واقتراع المغتربين لستة مقاعد في الخارج، وعدم تكرار ما حصل في الدورة السابقة.
وفي ما يتعلق بعلاقة سلام مع حزب الله، والتي يلعب بري دوراً في ضبطها، قالت المصادر إن رئيس الحكومة سبق أن طالب بـ«الجلوس مع أعلى مسؤول سياسي، وكان يعتبر أن النائب رعد هو المناسب»، وبعدما أرجأ حزب الله البحث في الأمر إلى ما بعد القمة العربية في العراق لعدم تجاوز رئيس الجمهورية في مناقشة ملف الحرب وتداعياتها، وجد في زيارة الرؤساء لمناسبة عيد المقاومة والتحرير فرصة لدقّ أبواب رئيس الحكومة، وطلب موعداً لوفد يرأسه رعد، إلا أن سلام اعتذر بداعي السفر.
وبعد التصريحات المستفزّة لسلام، قرّر الحزب عدم تكرار الطلب. غير أن معلومات «الأخبار» تشير إلى ترتيبات لعقد اجتماع بين الطرفين قريباً، وهو ما يؤكده تعليق رعد على تصريحات سلام أمس بالقول: «شكراً لودّ دولة رئيس الحكومة وسنلاقيه في أقرب وقت وندلي برأينا في ما نراه مصلحةً لشعبنا وبلدنا»، حصوصاً في ما يتعلق بإعطاء الأولوية لملف إعادة الإعمار، ورفض التدخل الخارجي وابتزاز لبنان.
اللقاء الذي استمرّ ساعةً ساهم في لملمة الصدام مع الثنائي الشيعي، إلا أن متابعين يلفتون إلى أن «الحذر واجب». فرئيس الحكومة، لم يلتزم سابقاً بما أكّده مراراً بأنه سيقوم بخطوات جدية وعملانية في ما يتعلق بملف إعادة الإعمار، كما أنه ليس «صاحب موقف واحد وواضح».
ويلفت هؤلاء إلى أن توتّر سلام لا يقتصر على حزب الله وأمل فقط. فالعلاقة مع رئيس الجمهورية جوزيف عون، ليست أفضل حالاً، ووصلت إلى حدّ شكا فيه الأخير أمام شخصيات لبنانية وعربية ودولية من إدارة رئيس الحكومة للملفات الداخلية وتعطيله الكثير من الأمور، ولا سيما في التعيينات، ناهيك عن لفت عون انتباه سلام إلى أن الزيارات التي قامَ بها لمعراب تضرّ بموقعه كرئيس للحكومة.