متفرقات

ماذا تفعل يا نواف؟

كتبت صحيفة “الأخبار”: في حالة نواف سلام، ليس هناك ما يسمح باستخدام تعبير «لوهلة أولى». فالرجل، لا تنطبق عليه معايير الرّؤساء التقليديين للحكومة، حتى تاريخه العائلي والسياسي والمهني، لا يسمح بانتماء مكتمل الأركان إلى النادي التقليدي لرؤساء الحكومة.

هو ببساطة، واحد من الذين تحملهم لحظة خاصة إلى هذا الموقع. وهؤلاء، هم فئة تُتاح لهم الفرصة مرة في العمر، فإما يصنعون فرْقاً، فيكون له الأثر، وإما يكون مرورهم عابراً قرب السراي.

بالتالي، لا يمكن التعامل مع سلام بدرجة عالية من اليقين، ليس لأن الرجل صاحب مفاجآت، بل، لكونه، لم يظهر ثباتاً يجعل الناس تقول بأن هذه هي طريقة فلان، أو هذه هي بصمة فلان.

وهو لن يخضع لمحاسبة على ما قام به وما لم ينجزه، ولو قال فيه الناس ما يقولون، مدحاً أو ذمّاً لا فرق. فكل ذلك لن يوفّر له حصانة تبقيه في موقعه، كما لن يكون ممكناً إبعاده الآن عن منصبه.

ذلك، أن نواف سلام، هو ابن اللحظة الراهنة. وهو منذ ولادته مرشحاً ومكلّفاً ومؤلّفاً للحكومة، يحظى بغطاء مشهد جديد على لبنان:

غرب تقوده أميركا، يملك فرصة اختيار أركان السلطة في لبنان، ومن بينهم رئيس الحكومة، ومن دون الحاجة إلى مشاركة أحد. وعرب تقودهم السعودية، وقد ارتاحت من الشريك السوري، ولا ترى في لبنان حالة مستقلة تستوجب احترام حساباته الداخلية.

ووفق معايير الوصاية الأميركية – السعودية، فإن رئيس الحكومة، هو عضو في فرقة يقودها رئيس الجمهورية، ومهمّتها إدارة ما يشبه الـ«دولة»، بانتظار أن تتشكل سوريا من جديد، حتى يتم تكليفها بأمر الإشراف المباشر نيابة عنهم. وغير ذلك، ليس بين جميع اللاعبين المحليّين أي دور في الاختيار، وإن كان لهم دور في التسهيل أو التعطيل. وفي لحظتنا الراهنة، لا تملك القوى اللبنانية، ومن دون استثناء، القدرة على قلب الطاولة.

اليوم، بات بالإمكان تصوّر كيف يعمل نواف سلام، الموظف برتبة رئيس للحكومة. رجل يواظب على الحضور إلى مكتبه، وأمامه كمّية كبيرة من الملفّات، موزّعة أفقيّاً، وعامودياً أيضا. وكل يوم يزيد حجم الملفات واحداً بعد واحد. لكن أحداً لا يعرف مسبقاً، متى يحين موعد البحث في هذا المشروع أو ذاك.

الكل من حوله، ينتظر اتصال القصر، فيصار إلى سحب الملف المنوي إثارته، تعاد قراءته على عجل، وتسجّل الملاحظات على عجل، قبل الدخول إلى قاعة مجلس الوزراء.

وحظ نواف سلام العاثر، في أن الجمهور في لبنان منقسم، بين من يريد له أن يحافظ على مكانة السراي كما كانت مع رفيق الحريري، وبين من يريده أن يكرّر تجربة شفيق الوزان.

إلى جانب عون

ولكي لا يطول النقاش، فنواف سلام، يعرف أن مشكلته اليوم، ليست مع سلاح حزب الله، بل مشكلته في مكان آخر، وهي محصورة أولاً وأخيراً، في أنه وافق راضياً مرضياً، على التخلّي عن صلاحياته كرئيس للحكومة، فلا دخل له في السّياسات الخارجية والدفاعية والأمنية، ودوره ملحق بالملفّات الإدارية كون قاعدة التحاصص لا تزال قائمة ولو بأسماء جديدة، فيما يبدو استعراضياً في معركة الإصلاح الاقتصادي، لأن الاستقواء بالأفكار الخارجية دون عقبات الدولة العميقة في لبنان.

بينما الصمت يطبِق على كل فريقه إزاء البدء بمساعدة الناس على العودة إلى منازلهم التي دمّرها العدوان، فيما ينتظر مثل الآخرين، الترياق حتى يزيد التغذية الكهربائية ساعة.

وفي هذه الحال، تظهر الصورة المثيرة للشفقة، عندما تصبح حكومة لبنان مشغولة بإنارة طريق المطار وتعزيز الأمن على جوانبه، بالتزامن مع تعزيز الشرطة السياحية فيما لا شرطة تنظّم المرور في العاصمة. أما الانفصام الذي يعيد صورة لبنان إلى أجزاء متباعدة فيما بينها، فهو يبقى محكوماً بأداء السلطات التنفيذية وعلى رأسها الحكومة.

وإذا ما أجري تمرين مع كبار المسؤولين على عيّنة من عشرة أيام خلال الأشهر الأربعة الماضية، لمعرفة الاهتمامات، سوف يتبيّن بوضوح، أن ملف المتضرّرين من الحرب الإسرائيلية ليس في رأس الأولويات، بل أكثر من ذلك، فإن الاهتمامات الفعلية لكبار المسؤولين، يجري ترتيبها وفق قواعد مختلفة: ما الذي يدغدغ سلطات الوصاية حتى تبقى راضية؟

وما الذي يظهر نتائج ولو صورية من أجل القول بأنّنا حقّقنا انجازاً ما؟ وأمام العجز القائم، تصبح السلطات في لبنان أكثر ميلا لتقليد ما تقوم به السلطات الجديدة في سوريا. إذ تسعى هذه أيضا إلى كسب ودّ نفس أطراف الوصاية الخارجية، وتحديداً الجانبين الأميركي والسعودي، لكن تملك مؤهّلات أكبر من لبنان، نظراً لموقع سوريا وقدراتها وتماسها مع مواقع الصراع في المنطقة.

لكن أحمد الشرع، الذي لا يملك حتى اللحظة إلا قدرة على تعديل الوقائع القاسية التي تواجه السوريين، أمنياً ومعيشياً وسياسياً، تراه يميل إلى لعبة إشغال الجمهور بالتصوّرات الافتراضية لما يمكن أن تكون عليه سوريا لاحقاً.

وفي هذه النقطة، يمكن تفسير، الاهتمام الجنوني للشرع وفريقه، بعالم التواصل الاجتماعي، وحيث الغزو الهائل الذي يجعل السوريين يتخيلون أن البلاد تمّ إعمارها وأن الخلاف الآن هو فقط، حول من يتولّى المناصب التي تديرها… هل بينكم من يذكر الصراع الذي شهدته بيروت نهاية القرن الماضي حول مشروع رفيق الحريري لإقامة قصر للمؤتمرات في العاصمة؟ وكيف انتقل النقاش إلى قتال بين جبهتين، واحدة ترفضه لعدم جدواه، وأخرى تدافع عن المشروع، لكنّها نجحت في جعله ليس متخيّلاً، بل قائماً، حتى إن بعض الذين دافعوا عن المشروع، اعتبروا يومها المعارضين، بأنهم يريدون تدمير قصر المؤتمرات. وهذا هو الحال الآن في سوريا، ويبدو أن في السلطة اللبنانية من يعيش حالة النشوة الافتراضية، على قاعدة، أن السماء ستمطر قريباً، ليس الدولارات فقط، بل حاجات الناس من الاستقرار والتنمية والديموقراطية.

صحيح، أن نواف سلام ليس مثل أحمد الشرع. لا فكرياً ولا سياسياً ولا على مستوى المهارات. كما أن نواف سلام يواجه معضلة في علاقته بالجمهور. ولم ينجح حتى الآن في التحوّل إلى مركز جذب لوسائل الإعلام أو حتى للجمهور. لكن الأهم من كل ذلك، أن نواف سلام، لا يبدو أنه يشرك الآخرين، بما في ذلك المقربين، في النقاش حول الأولويات، ويمنع عن الجميع من حوله، القيام بأدوار من شأنها التعويض عن نقص فادح في علاقة الحكومة بالناس. وفي الأيام الأخيرة، ظهر أن سلام، لا يجد سبيلاً إلى الحضور بقوة، إلا عبر ملامسة المواضيع الأكثر حساسية، وهو وإن كان يعرف أن معركة الإصلاحات الاقتصادية والمالية والقانونية، تشكّل أساسَ اي تغيير في البلاد، إلا أنه، يتصرف كمن استسلم للوقائع من حوله، ووجد ضالّته، في الهروب إلى البروباغندا الخاصة بسلاح المقاومة.

الحقيقة، أن نواف سلام، لا يمكنه الآن، معالجة «الضائقة الشعبية» التي رافقت وصوله إلى السراي ولا تزال تلازمه. ربما هو لا يهتم كثيراً لهذا الأمر، لكنّ الزّعامة التي تقدر على الاستمرار تحتاج ليس فقط إلى دعم الخارج، بل تحتاج إلى قوّة فعلية في الداخل، وهو أمر غير متوفّر، ويوماً بعد يوم، يتكاثر خصوم الرجل، ليس فقط عند الطامحين إلى استلام موقعه، بل عند غالبية ساحقة من القوى والجماعات الناشطة في الوسط السّني. فكيف تكون صورته، وهو الذي ليس محل ترحيب من ثنائي أمل وحزب الله، ومن يقف إلى جانبه من الشيعة ليسوا إلا «ثلة السفارات»، فيما هو يعلن حرباً علنية ضد التيار الوطني الحر، ويصلّي ليل نهار ألّا يكون مضطراً لعلاقة مع «القوات اللبنانية»، وفي هذه النقطة، يتعامل سلام وسمير جعجع سوية على أنهما لا يطيقان بعضهما البعض، لكنّهما ملزمان بهذه العلاقة، وإذا كان سلام يتّكل على دعم صديقه وليد جنبلاط، فإن الأخير، ليس بقادر على دعمه بالمدد الكافي. وعندها، يمكن معرفة الدائرة التي يرقص فيها الرجل، وهي نفسها الدائرة التي لا يزال النظام اللبناني يتحكّم فيها. وما ورد أعلاه، هو تفسير لما هو عليه الرجل، وليس تبريراً لما يقوم به الآخرون ضده. كما أنه يصعب تبرير طريقة عمل سلام نفسه، وهي طريقة عمل، ستقوده حتماً إلى فشل ذريع!

مرّة جديدة، وليس في الكلام تحريض لأحد على أحد. لكن مشكلة نواف سلام الأصلية، واضحة في أنه يؤدّي دور رئيس حكومة لبنان ما قبل العام 1992. وإذا لم يكن حوله من يصدقه القول، فإن وقائع الإدارة اليومية للدولة، داخلياً وخارجياً، تكفي لتقول له، بأن استعادة الدّور والتأثير والهيبة، لا يمكن تحصيلها من عند الجيران. اذهبْ وعالجْ مشكلتك داخل النظام أولاً، ومع الشركاء الذين أُجبروا على التعامل معك كرئيس للحكومة، لكنهم يظهرون يومياً، أن لا شيء يلزمهم العمل معك على أساس أنك رئيس فعلي للحكومة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى