صندوق الإقتراع وصندوق الخرطوش

الوزير السابق جوزف الهاشم
الحروب ، ومعارك الحروب كانت منذ كان على الأرض إنسان ، ومنذ راحت غريزة الحسد والأنانية والطمع تتحكم بالعلاقة بين قايين وهابيل .
كان ولا يزال التصارع حول الإستئثار بالسلطة هو السبب المرجح لفجائع الشعوب في نشوب الحروب .
وقديماً ، وفق نظرية : أن عمد السيف لا يتسع لسيفين والعرش لا يتسع الملكين : إخترع “الهندوس” لعبة الشطرنج للتحارب بقطع العاج بديلاً من الحرب على الملك بالسيف
وحتى لا تظل الشعوب تجارة للملوك ، ما انعدمت الشهامة عند “شارل” ملك إسبانيا بعد حروب قاتلة بينه وبين “فرنسيس” ملك فرنسا ، بأن دعا شارل خصمه فرنسيس إلى المبارزة رجلاً مقابل رجل حتى لا تستمر المجازفة بسفك دماء رعاياهما الأبرياء
ونتيجة لما أسفرت عنه الحروب المتفاقمة من الضحايا البريئة بالملايين راحت المرجعيات الدولية تفكر بحلول سياسية للصراع العسكري ، فكان بعد الحرب العالمية الأولى مؤتمر الصلح في باريس ومعاهدة فرساي” ، وكانت بعد الحرب العالمية الثانية منظمة الأمم المتحدة ، بهدف الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وحماية حقوق الإنسان من الهوس العسكري وجنون الإضطهاد
ومع ذلك استمرت الأنظة الديكتاتورية والفاشية تمارس الحلول السياسية بلغة العنف واعتماد أسلوب الفتن والقمع والإغتيالات سبيلاً إلى النصر ، فيما اعتمدت الأنظمة الديمقراطية تسوية الصراعات المسلحة بأشكال أخرى من القتال ، فكانت المعارك والإنتخابية بديلاً من المعارك الدموية
من هنا ، أطلقت على الإنتخابات تسمية المعركة الإنتخابية كبديل ديمقراطي حضاري من المعركة العسكرية المخصبة بسفك الدم .
وبتعبير آخر : فإن صندوق الإقتراع في النظام الديمقراطي هو الحل الحضاري النقيض لصندوق الخرطوش الديكتاتوري
في لبنان ، مع بدايات الإنتخابات النيابية ، كان هناك تنازع بين صندوقين : حين ترشح قبلان فرنجية للإنتخابات النيابية في الشمال في 10 حزيران 1929 ضد الشيخ “وديع طربيه” فزحف الزغرتاويون إلى طرابلس لإقتحام السرايا ، وحرصاً على عدم إراقة الدماء أعلن وديع طربيه إنسحابه من المعركة
في عهد الرئيس بشارة الخوري الإستقلالي، كانت انتخابات 25 أيار 1947 مضرب مثل بما رافقها من شكوك وتزوير وفساد (3) ، حتى قيل : إن عدد أوراق المقترعين في الصناديق كانت أكثر بكثير من عدد الناخبين المدونين في لوائح الشطب.
ومنذ ذلك الحين ، لم تكن الإنتخابات النيابية والبلدية في لبنان ، ديمقراطية ونزيهة ، سواء بما تحتويه الصناديق من أرانب ، أو بما تبتدعه قوانين الإنتخابات من أثواب مطرزة على قياس ملوك الطوائف وملوك الحروب .
ولا يزال ملوك القرون الوسطى في القرن الواحد والعشرين يحتكرون إرادة الشعب ، لأن أسماء هم مستوحاة من أسماء الله الحسنى ، وعلى الشعب الرضوخ لأن الورح القدس يتمثل فيهم .
هذه المرحلة الإنتخابية البلدية الأولى ، بالرغم مما شابها من خلل إداري وقانوني ، فلم يظهر فيها تدخل مباشر من قبل طاقم الحكم ، وقد وصفها الرئيس جوزف عون بأنها خطوة نحو النهوض والتعافي
على أن النهوض المتعافي يحتم الفصل بين صندوقين : فمن يمارس السياسة الإنتخابية مع صندوق الإقتراع يكون كمن يجسد الروح الديمقراطية والرحمة الإنسانية
ومن يمارس السياسة مع صندوق الخرطوش يكون كمن يطلق رصاصة الرحمة على نفسه .
———————————————————————–
1 – قصة الحضارة ، ول ديورانت : ج 4 – فصل 22 – ص : 42 .
2 – بشارة الخوري فارس الموارنة والعرب : وليد عوض الجزء الأول – ص : 162 .
3 – النيابة في لبنان : فؤاد الخوري – ص : 203 .
عن جريدة الجمهورية
5/8/2025 : بتاريخ