توليفة رفع الحد الأدنى للأجور لم تنضج بعد… فما هي الأسباب؟

ليبانون ديبايت
الأسباب وراء عدم نضوج أي “توليفة” لزيادة الأجور متعددة، أولها الوضع المالي للدولة اللبنانية، التي تعاني من حالة تقشف كبيرة في موازنتها للعام 2025 والتي لا تتعدى 4 مليارات دولار، بينما بلغت قبل الأزمة 18 مليارًا. ثانيها، النمو الاقتصادي شبه الغائب، خصوصًا بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان. ثالثها، الأعباء التي رتّبها إقرار قانون الإيجارات الجديد على الدولة، لناحية زيادة إيجارات المباني التي تشغلها الإدارات الرسمية.
بلغة الأرقام، فإن المطالبة بهذه الزيادات مشروعة ومُستحقة استنادًا إلى معطيات مؤسستين موثوقتين:
الأولى هي برنامج الأغذية العالمي الذي أصدر تقريرًا في كانون الثاني 2025، أشار فيه إلى أن “كلفة سلة الإنفاق الأدنى للبقاء على قيد الحياة لأسرة من 5 أفراد في لبنان هي 452 دولارًا، بارتفاع نسبته 3.2% عمّا كانت عليه في العام 2019 عند قياسها بالدولار، وبنسبة 6,078% عند قياسها بالليرة اللبنانية”.
المؤسسة الثانية هي الشركة الدولية للمعلومات والإحصاءات التي أصدرت تقريرًا في بداية هذا العام، أظهر أن تكلفة المعيشة لأسرة مكوّنة من أربعة أفراد، والتي تشمل الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية فقط، تبلغ 52 مليون ليرة شهريًا (حوالي 582 دولارًا) في المناطق الريفية، و71 مليون ليرة (794 دولارًا) في المدن، دون احتساب تكاليف الرعاية الصحية. ووفقًا للتقرير، فإن تكلفة السكن تمثل أحد أكبر التحديات، حيث يتراوح الإيجار بين 150 دولارًا شهريًا في المناطق الريفية، ويصل إلى 300 دولار أو أكثر في المدن، حسب موقع الشقة ومساحتها.
الأسمر: لا نتائج ملموسة
بناءً على ما تقدم، هل ترفع الحكومة اللبنانية الحد الأدنى للأجور قريبًا؟
يجيب رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لموقع “ليبانون ديبايت” بالقول: “هناك اتفاق مبدئي حول ضرورة زيادة الأجور، ولكن بالتفصيل لم يحصل اتفاق على الرقم، ووزير العمل وضع مهلة للمفاوضات حتى 28 الشهر الحالي للتوصل إلى نتيجة”، لافتًا إلى أنه “تمّ عقد عدة اجتماعات ولا زلنا نتبادل الأرقام والدراسات حول الزيادة في القطاع الخاص، أما في ما يتعلق بالقطاع العام فلا شيء ملموسًا حتى الآن، وقد تألّفت لجنة برئاسة مستشارة رئيس الحكومة الدكتورة لميا مبيض لدراسة الإمكانيات والأرقام، وحتى اليوم لا نتائج ملموسة”.
يوضح الأسمر أن “الاتحاد العمالي كان قد اقترح رفع الحد الأدنى للأجور إلى 50 مليون ليرة (560 دولارًا)، وأن الاتحاد يعمل على رفع الأجر ومتمماته، أي المنح المدرسية والتعويضات العائلية، وهذه الأخيرة تم الاتفاق على مضاعفتها في الضمان الاجتماعي، أي معاش الزوجة أصبح مليونًا ومئتي ألف ليرة لبنانية بدلًا من 600 ألف، والطفل 660 ألفًا بدلًا من 330 ألفًا”، مشيرًا إلى أن “مجموع التعويضات العائلية سيكون 4 ملايين و500 ألف ليرة، وقد تم رفع هذه الزيادات بمعزل عن الحد الأدنى للأجور، وأُتخذ القرار في مجلس إدارة الضمان لرفع قيمة هذه التعويضات بموافقة وزير الوصاية”.
ويختم: “في ما يتعلق برفع الحد الأدنى للأجور في القطاع العام، حصل اجتماع بين الاتحاد والمتقاعدين العسكريين واتفقنا على المطالبة برفع الحد الأدنى وإنتاج زيادات في القطاع العام”.
تجدر الإشارة إلى أن المفاوضات تشمل حوالي 450 ألف عامل مسجل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى مئات الآلاف من العمال غير المسجلين، ما يزيد من أهمية وضع سياسة عادلة للأجور تشمل جميع العاملين.
البواب: لا زيادة من دون تحقيق نمو اقتصادي
في ميزان الخبراء، يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور باسم البواب لموقع “ليبانون ديبايت”، أن “الأمور في بداية التفاوض، ولا اتفاق ثابتًا لأن هناك وجهتي نظر: الأولى أن حجم الاقتصاد اللبناني اليوم يبلغ نحو 22 مليار دولار، بينما كان قبل الأزمة نحو 50 مليارًا، أي أنه يشكّل حاليًا 50% ممّا كان عليه في العام 2019، وفي الوقت الذي تمكنت فيه الرواتب والأجور في القطاع الخاص من تصحيح نفسها بعد الأزمة، لا تزال في القطاع العام لا تتجاوز 500 دولار بحسب التصنيف الوظيفي للوزارات والإدارات والقطاعات العامة”.
يضيف: “الدولة لها الحق في العمل على الحد الأدنى للأجور في القطاعات الرسمية، لكن لا يحق لها التدخل في العقود بين الموظفين والشركات الخاصة وفقًا لمعايير الاقتصاد الحر الذي يتبعه لبنان. الحكومة في الوقت الحاضر لا يمكنها زيادة الأجور للقطاع العام لأنها لم تضع موازنة تمكنها من تغطية نفقات هذه الإضافات”، موضحًا أن “موازنة 2025 كما هو معروف صدرت بمرسوم، وتميزت بأنها موازنة متقشفة لا تتجاوز 4 مليارات دولار، بينما كانت موازنات الحكومات قبل الأزمة نحو 12 مليارًا ووصلت إلى 18 مليارًا”.
يعتبر البواب أن “في الوقت الحاضر، الأمور ليست سهلة على الحكومة، خصوصًا أن قانون الإيجارات الجديد رتّب عليها أعباء جديدة لجهة زيادة بدلات الإيجارات للعديد من الإدارات الرسمية، وهذا يشكّل عبئًا إضافيًا، وعلى الأرجح أنها لن تكون قادرة على السير بهذين الاستحقاقين معًا، وإلا عليها تحصيل المزيد من الضرائب، وهذا يتطلب المزيد من النمو والإنتاجية، وهو أمر متعذر حاليًا”.
ويؤكد أن “الأمور لا تزال في بداياتها، ولجنة المؤشر تعقد اجتماعات متواترة مع جميع القطاعات، أي الهيئات الاقتصادية والمجلس الاقتصادي الاجتماعي وجمعية التجار وجمعية الصناعيين، والاتحاد العمالي العام ووزير العمل يعملون لإيجاد حلول. والعمال يضعون سقوفًا عالية لمطالبهم، وهذا أمر مفهوم”.
ويختم: “التفاوض يحصل إلى حين الوصول إلى أمر منطقي. حاليًا لا يمكن الذهاب إلى حلول متسرعة على غرار ما حصل في سلسلة الرتب والرواتب عام 2018، لأن الثمن دفعه المواطن اللبناني، ولا يمكن أن تُقرّ أي زيادة من دون تحقيق نمو اقتصادي، فجميع هذه الزيادات يجب أن تتحقق بالتوازي”.