الإغتيالات والتحوّلات

الوزير السابق جوزف الهاشم
في ذاكرة التاريخ ، كثيراً ما كان اغتيال كبار الرجال يؤدّي إلى تحوّلات تاريخية مصيرية … وهذا بعضها الموجز .
اغتيال ولـيّ عهد النمسا كان الذريعة التي أشعلتْ الحرب العالمية الأولى … وكان اغتيال الرئيس الأميركي إبراهام لينكون 1865 ثمناً لتحرر العبيد ، واغتيال “المهاتما غاندي” 1948 ضحيّة مواجهة العنف الطائفي بين الهند وباكستان .
وهناك من يقول إن اغتيال الرئيس الأميركي “جـون كندي” كان للحـدّ من خطر وقوع حرب نووّية بين أميركا والإتحاد السوفياتي .
أبرز ما كان على صعيد المنطقة : اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي “إسحاق رابين” 4 تشرين الثاني 1995 نتيجة توقيع إتفاقية “أوسلو” مع السلطة الفلسطينية ، واغتيال الرئيس المصري أنـور السادات 6 تشرين الأول 1981 بعد توقيعه إتفاقية كمب ديفييد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي “مناحيم بيغن” .
في لبنان : اغتيال الزعيم كمال جنبلاط 16 آذار 1977 أدّى إلى انقلاب جبل على جبل .
اغتيال الرئيس بشير الجميل 14 أيلول 1982 كان نقطة تحـوّل بالغة المنعطفات وأسفرت في النتيجة عن خروج إسرائيل من لبنان .
اغتيال الرئيس رينيـه معوّض 22 تشرين الثاني 1989 عطّـل قيام الدولة بوحي من روحية اتفاق الطائف .
مثلما كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري 14 شباط 2005 نقطة التحوّل الضاغطة في انسحاب الجيش السوري من لبنان .
ولا بـدّ من الإعتراف بأن اغتيال السيد حسن نصرالله 27 أيلول 2024 شكّل مرحلة متحوّلة في لبنان وأسفر عن تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة .
أهـمّ ما في هذه التحوّلات معرفة قراءة نتائجها …
لأننا لم نحسن استخلاص العِبـر من ارتدادات الإغتيالات ، إنعكست علينا أوزار مضاعفاتها .
يمكن حتى الآن اعتبار الموقف الرسمي اللبناني قد حـدّد القراءات الأولية للتحوّلات العاصفة ، عبر خطاب القسم والبيان الوزاري بما لا يتعاكس مع هبوب الريح ، وبالتوافق مع الرئيس نبيه بـري .
ويمكن أيضاً التقاط بعض ما جاء من عناوين في إطلالات الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ، حيال ما اعتبره : “مرحلة جديدة ، سنقيّم ما مررنا بـه ، وسنستفيد من الدرس والعِبَـر”…
هذا يستدعي التفافاً حميماً فيما بين مختلف المكوّنات اللبنانية تمهيداً إلى جمع الساحات في ساحة وطنية واحدة ، واستجماع قصص “ألف ليلة وليلة” في قصّـة واحدة ، على ما أعلنه رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل في الجلسة النيابية الأخيرة .
عندما نكون كلّنا موّحدين حول لبنان ، نستمدّ من الإنكسار حافزاً للإنتصار وإعادة النهوض بالوطن ، هكذا : “ألمانيا واليابان” كانت الخسارة في الحرب العالمية الثانية حافزاً لهما في بناء دوليتين من أبـرز البلدان في القوة والعمران والإزدهار .
عندما نكون موحّدين حـول لبنان ، نصبح كلّنا مقاومين دفاعاً عن لبنان …
حزب الله جـزءٌ من الكلّ وليس هو الكلّ …
والمقاومة ، ليست ذراعاً مبتورةً عن الجسم الوطني ، والسيف في الذراع المبتورة سيفٌ مستعار .
المقاومة ليست حصراً مقاومة مسلحة في مواجهة التفوّق التكلنولوجي الخارق .
صيغة لبنان النموذجية هي سلاح متفوّق في مواجهة المشروع الصهيوني …
وحدة لبنان الوطنية وقيمة لبنان الحضارية ، سلاح …
السلاح الدبلوماسي والإقتصادي والسياحي والثقافي سلاح …
صداقات لبنان العربية والدولية ، سلاح …
وطاقة لبنان الإغترابية ونفوذها الدولي الضاغط ، سلاح …
وحين نؤمن جميعاً بحتمية المواجهة المسلحة ، فلن يكون شرف الدفاع عن لبنان حكراً على فريق دون الآخر .
نعم .. “لقد تعب لبنان من حروب الآخرين على أرضـه ، وتعب اللبنانيون من التدمير والتهجير والقتال والشهداء والأشلاء والحياة المضرّجة بالدموع والدماء.
لقد اتّحدنا بإرادة إلهيـة بالصوم المشترك مسيحيين ومسلمين ، فلنتّحـد بإرادة وطنية حول لبنان الوطن النهائي .
“إنّ حبّ الوطن من الإيمان “كما يقول النبي …” “ما عمَرت البلدان إلاّ بحبّ الأوطان” يقول الإمام علي …” “ولا يقدر عبدٌ على خدمة سيدين” هكذا يقول المسيح ، ولن نكون أسياداً ، إلاّ بالوطن الواحد السيّد .
عن جريدة الجمهورية : 14/3/2025