متفرقات

وأيَّ حكومةٍ تريدون …؟

الوزير السابق جوزف الهاشم

حضرةَ المسؤولين في لبنان : قادةً وأحزاباً ونوابَ برلمان …
هل يقتضي في كلِّ امتحانٍ دستوري أنْ نكون نحن وحدَنا بين كلِّ دول الأرض
مسخرةً ديمقراطية للأمم ..؟
أَكلّما استحقّ عندنا استحقاقٌ رئاسي أوْ حكومي ، نغرق في بحرٍ من الظلمات ، ولا
تقوم لنا قيامة حتى يبـشِّرَ اللهُ “زكريّا” بأنّ زوجته العاقر “أليصابات” ستلـدُ مولوداً …؟
بعد الإستنجاد بأهل الأرض وأهل السماء لإنجابِ رئيسٍ للجمهورية ، هل جاء
الآن دور الحكومة …؟
إذاً .. أيَّ حكومة تريدون ، لأيِّ دولـةٍ ولأيِّ لبنان …؟
هذا اللبنان الذي وصَفوهُ بأنّـه ” أعلى قمّـةٍ في التاريخ (1)…” أيَّ حكومةٍ لهُ تريدون..
وعلى صورة أيّ حكمٍ وأيّ حكّامٍ وأيّ نظامٍ وأي حقوق إنسان تريدون حكومة لهذا
اللبنان …؟
على صورةٍ أيّ دولةٍ من خَلْف الحدود وما بعـدَ بعـدَ الحدود ، وعلى غرار أيّ
نظام من أنظمة الظلمِ والإستبداد والقتل وكـمّ الأفواه والإغتيال والسجون والمقابر
الجماعية …؟
حيال هذا اللبنان ، الذي يكاد ينشطر حصصاً ويتوشّى بدخان الحرب ، ألا
يزال هناك من يحارب من أجل المكاسب ، ومن يطالب بالحصّة الوزارية الأكبر ،
وبالوزارة السيادية الأشهر ، والوزارة التي تعرف بالبقرة الحلوب …؟
على صورة أيّ حكومة تريدون هذه الحكومة .. على مثالِ ما سبَقَ من عهدٍ،
فإذا الحكومة حكومات : حكومة ٌ للبلاط ، وحكومة للخارجية ، وحكومة للعدل
وحكومة للطاقة ، وحكومة للدفاع ، وحكومة للسلم ، وحكومة للحرب …؟
الذين يهوّلون على الرئيس المكلّف بحـجْبِ الثقة عن الحكومة بهدف اغتنام
الغنائم، فإنّ هذه الحكومة لن يكون مثولُها أمام المجلس النيابي ، بل أمام الوطن الذي
تدمّـر ، والشعب الذي تقهقـر ، وأمام القرى المنكوبة في الجنوب حيث لا تزال تُنتـشلُ
جثامينُ الشهداءِ من تحت الركام ، لعلّ هناك ترتعش الجثامين الحكومية مهابةً
وتستشعر حجم المسؤولية .
للمرة الأولى يكون رئيس الجمهورية جوزف عـون من الجنوب ، والجنوب مدمّى …
وللمرة الأولى يكون رئيس الحكومة نواف سلام من خارج التقليد السياسي ، ومن
أعلى محكمة دولية حكمت على إسرائيل بعدم شرعية وجودها …
وللمرة الأولى يقول رئيس جمهورية في لبنان : ” أنا جئتُ لأبني دولة لا لأبني
لي عرشاً سياسياً ” كأنما يخاطب الذين اغتصبوا الدولة وأقاموا على ركامها عروشاً
لهم ، والذين نهبوا خيرات البلاد بالحرام لتصبح الدولة معهم كأنها طفل الخطيئة .
وللمرة الأولى يحظى هذا الحكم برعاية دولية شاملة ، وبدعم شعبي لبناني عارم
في لبنان وسائر المشرق والمغرب .
ومن النادر أن يتكوكب رؤساء المذاهب الدينية في لبنان ، كلّهم جميعاً حول سيّد
العهد يباركون مؤيدين ، يتمنّـون لـهُ التوفيق والنجاح في تطبيق مضامين خطاب القسم.
بذلك ، يمكن هذا الحكم أن يقود مسيرة إنقاذ لبنان وأن يوفّـق بين المرحلة
التأسيسية للنظام ومرحلة حكمٍ تأسيسي يشكّل قاعدةً أساسيةً جديدة للحكومات اللاحقة .
إنها فرصةٌ من شأنها أن تبـدّد هواجس اللبنانيين تحقيقاً لما يتوخّون من طموحات
الحياة الكريمة وإنسانية الإنسان .
أفَما آن لهذا الشعب أنْ يمـزّق الكفَـنَ عن الجسد ، لتكون لـهُ دولةٌ كمثل سائر
شعوب العالم الحـرّ ، ويكون لـه وطن كمثل ما يكون لعباد الله من أوطان …؟
أنّ صوت الشعب من صوت الله – حسب المبدأ الروماني – ومَـنْ يتنكّـر للشعب
يتنكّـر لله ..
ألاّ إذا كان السياسيون عندنا يؤمنون مع ذلك الفيلسوف الإلماني “نيتـشه” ، بأن الله قد مات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – عضو الأكاديمية الفرنسية المؤرخّ كبريال هانوتو” : يقول : “إنْ لم يكن لبنان أعلى قمّة في الجغرافيا فهو أعلى قمة في التاريخ .

عن جريدة الجمهورية
بتاريخ : 31/1/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى