متفرقات

عمـادُ المرشَّحين

الوزير السابق جوزف الهاشم

بعدما سيطر الدخان الدستوري الأسود على الإستحقاق الرئاسي ، توخىّ الرئيس نبيـه بـري أنْ يُخيّم الدخان البابوي الأبيض على الجلسة الإنتخابية ، كأنٍّمـا شاء أن يُضْفي عليها الصفةَ الكهنوتية لاستبعاد أشباح الشيطنة .
وهبّت ريـاحُ الإسنادِ الشرقية والغربية على برلمان ساحة النجمة ، فانقشَعَ الدخان ، وظهرتْ على الأكتاف نجومٌ تلمع ، والسيفُ في الساعد سطَع ، إنها صورةُ الجنرال جوزف عـون .
وعائلة عـون ليست أسرةَ “بوربون” الفرنسية ، سُلالةَ ملوكٍ الواحدُ فيها يَـرِثُ الآخَر ، لويس الثالث عشر ولويس السادس عشر ، وليس الإنتسابُ إلى العائلة الواحدة يحدّد الفضائل .
الأمير فخر الدين الثاني ، ليس الأمير فخر الدين الأول …
والأمير بشير الثاني ، ليس الأمير بشير الأول .
وفي الولايات المتحدة أحد عشر رئيساً كانوا من الجنرالات ، وليس كل جنرال يشبه الآخر .
الجنرالات في الدولة الديكتاتورية يسيطرون على الأحكام بواسطة الإنقلابات العسكرية …
والجنرالات في لبنان يتولّون الأحكام نتيجةَ اهتزازات أمنيّـة وصراعات محمومة ، تعجز الدولة المدنية عن احتوائها .
هكذا حكمت الظروف بوجوب حكم الجنرالات : فؤاد شهاب ، إميل لحود ، ميشال سليمان ، وميشال عـون ، بينما اعتُبـر الحكمُ الشهابي واحداً من أبرز الأحكام في البلاد ، منذ الإستقلال حتى آخر عهود دولة الرجل المريض .
ليس صحيحاً ، أنّ الرئيس المدني في المطلق أفضلُ من الرئيس العسكري في المطلق ، القاعدة في المطلق هي شخصية الرجل الرئيس ، الرئاسة : عسكريةً كانت أو مدنية ، ليست سُلَّماً يصعد عليه الصاعدون وينزل عليه النازلون ، وليست باللّباس العسكري أو المدني ، فطالما كنّا نستقبل الرؤساء على قـدر أناقـةِ ثيابهم ونوّدعهم على قـدر خفّـةِ عقولهم .
عندما وصَف الرئيس نبيـه بـري المرشح الرئاسي زعيم المردة سليمان فرنجية بأنّـه “عماد” المرشحين ، أدركتُ أنـه يسلّط بصيصَ الضوء الإختباري حول رئاسة العماد جوزف عـون ، وأنا بفعل عمق العلاقة أعرف كيف يوجّه الأستاذ إشاراته السحرية ، وهي غالباً ما تكون بواسطة الوصف التشبيهي .
أنْ تُجْمِـعَ القوى السياسية والبرلمانية المتنافرة حيناً ، والمتصادمةُ أحياناً ، على رئاسة العماد جوزف عـون فهذا يعني أنه الرئيس العماد ، الرئيس الوطني الوفاقي التوافقي ، والحاكم السيادي الذي يحكم في معزل عن هيمنة قناصل الخارج وقناصل الداخل .
ممارسة السلطة السياسية والأمنية في لبنان ، تحتاج إلى كثير من الحكمة والحنكة وعمق البصيرة والرؤيا ، لقد خضعتْ ممارسة العماد عـون لهذا الإمتحان ، عبـرَ أخطر المحطات دقّـة
وأكثرها حَرجاً ، فعالجَها بأقصى الحكمة والدراية الوازنة بين الحـزْمِ واللّـين ، ولو أنٍّ غيره كان في موقعهِ ، لكان أوقع لبنان في مهالك الفتنـة .
بفضل العماد جوزف عون ومسْلكيتَّه العالية المسؤولية ، تمَّـت المحافظة على تماسك الجيش فكان المؤسسة الوحيدة الجامعة في وطـنٍ شرّدتـهُ السياسة وشرْذمتْهُ المذاهب … في وحدة الجيش وحـدةُ الوطن ، الجيش رأسُ الجمهورية الشامخ وقلبُ الشعب النابض .
لبنان اليوم ، يحتاج إلى قائد ، وطبولُ الحرب تقرع أبوابَـه والحدود ، في محيطٍ مضطربٍ يتخبّـط في الفتن ، والنزاعات السياسية غالباً ما تُعالَجُ بالـدم .
ولبنان اليوم ، بما فيه ، وبما هو عليه ، لا يحتاج إلى رئيس جمهورية أفلاطون الذي هو فيلسوف ، ولا إلى رئيس مدينة “الفارابي” الفاضلة الذي هو نبـيّ ، فلا فلاسفة عندنا ولا أنبياء .
إنّمـا ، يحتاج لبنان إلى رجلِ دولـة على الشكل الذي فصّل فيه الرئيس عون نهجه الإصلاحي الإنقاذي في خطاب القسم وبما يعيدُ لبنان إلى لبنان والدولة إلى الدولة ويستعيد ثقـةَ الدولة بالدولة ، وثقـةَ الشعب بالدولة ، وثقـةَ الدُوَل بالدولة ، رئيسٍ يتحلَّى بالنزاهة والشجاعة والإقدام ، لـم تتلطَّخ يـدُهُ باللَّون الأحمر ، ولـم تتوسَّخ جيبُـهُ بالورق الأخضر .
لعلَّ هذا العون ، يكون حقيقةً عونـاً من الله .

عن جريدة الجمهورية
بتاريخ : 10/1/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى