نزع السلاح يحرّك التباينات داخل الحكومة إسرائيل تهدد الشويفات والمرفأ “يبدّد” التشكيك

كتبت صحيفة “النهار”: بين “الحوار” لاستكمال بسط سيادة الدولة أو “نزع” سلاح “حزب الله”، لم تتمالك الأوساط الراصدة للمناخ الداخلي الرسمي والسياسي منذ قيام نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الاوسط مورغان أورتاغوس بزيارتها الثانية للبنان وما بعد الزيارة، من إبداء التوجس حيال تصاعد معالم التباينات الداخلية حول طريق الاستجابة للمطالب الأميركية والدولية الملحة خصوصاً في ملف السلاح. ومع أن التباينات لم تعد تخفى بسهولة بعدما تكررت ظاهرة إعلان وزراء لمواقف أثارت حملات عليهم، على غرار ما حصل مع نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري ثم مع وزير الثقافة غسان سلامة، فإن هذا “العارض الجانبي” وفق الأوساط الراصدة نفسها يعتبر أمراً نافلاً وحتمياً إزاء الحمى الكبيرة التي انتابت الوسط الرسمي والسياسي برمته لجهة تصاعد الضغط الأميركي المتّسم بجدية غير مسبوقة على الدولة بكل رموزها ومكوّناتها لدفعها إلى التزام أجندة زمنية لنزع سلاح “حزب الله” وسائر المجموعات المسلحة بسرعة لم تتحسب لها معظم المكوّنات الرسمية بهذا الشكل. ولذا كشفت هذه الأوساط أن كلام رئيس الحكومة نواف سلام أمس من بكركي عن اقتراب إدراج موضوع بسط سلطة الدولة على جدول أعمال مجلس الوزراء شكّل إعلاناً إضافياً لتأكيد الجدية الحاسمة التي تتعامل معها الحكومة مع هذا الاستحقاق الذي لم يعد ينحصر تنفيذه في جنوب الليطاني بل يتسع لكل لبنان. وفي معلومات هذه الأوساط أن رئيس الجمهورية جوزف عون قد وضع فعلاً التصوّر التنفيذي والعملي لإطلاق حوار في أسرع وقت مع “حزب الله” حول ملف السلاح وسط المعطيات الداخلية والخارجية الضاغطة بقوة لدفع الحكم والحكومة إلى الشروع تنفيذياً في إثبات الاستجابة لهذا المطلب المسلّم به من كل الاتجاهات. ولفتت إلى أن موقف الحزب من هذا الحوار يبدو مرناً بما يتعين معه انتظار تطور جدي في وقت قريب. ولا يغيب عن هذه الصورة، كما تلفت الأوساط المعنية نفسها، عاملان لا يمكن الجهات الرسمية والسياسية تجاهل أثرهما وهما: ملامح التحذيرات الأقرب إلى التهديدات من مغبة مغامرة لبنان بتحدي الإرادات الدولية التي تُجمع على استعجال وضع أجندة لاستكمال بسط سيطرة السلطة الشرعية واحتكار السلاح، وفي المقابل تصعيد إسرائيل لانتهاكاتها وممارساتها وتهديداتها للبنان على غرار التخويف الذي مارسته أمس بتهديد منطقة الشويفات، كما لو أنها تعد الرأي العام لجولة تصعيدية جديدة على أبواب موسم الاصطياف.
سلام في بكركي
هذه المناخات والملفات شكّلت في أي حال محور الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة نواف سلام أمس لبكركي للمرة الأولى بعد تشكيل الحكومة، فيما ظلت تتردد أصداء وردود فعل من جهة معينة على موقف للوزير غسان سلامة من موضوع السلاح. وسئل سلام إثر الزيارة: هناك بعض الوزراء في الحكومة وتحديداً نائب رئيس الحكومة ووزير الثقافة تحدثوا عن سلاح حزب الله؟ فأجاب: “لدينا الدستور المبني على اتفاق الطائف الذي يقول بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية، وجميع الوزراء يلتزمون هذا الموضوع، كما أن البيان الوزاري أكد حصرية السلاح بيد الدولة. وأكرر جميع الوزراء ملتزمون به، وعلى أن مسألة الحرب والسلم في يد الدولة وحدها، والوزيران ملتزمان ولكنهما عبرا عن الموضوع بطرق مختلفة”. وعن جدول زمني للحكومة لسحب سلاح “حزب الله”، قال سلام: “عندما طرح هذا الموضوع في مجلس الوزراء، فجوابي كان أن نطلب سريعاً من الوزراء المعنيين، لا سيما وزير الدفاع أن يفيدنا عما التزمنا به في البيان الوزاري وكيف نتقدم في بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية، وحصر السلاح. وهذا الموضوع سيكون على جدول أعمال مجلس الوزراء قريبا”. وشدّد على أن على إسرائيل الإنسحاب من النقاط الخمس المحتلة في الجنوب في أسرع وقت، “وهذا ما أكدنا عليه، فخامة الرئيس (عون) ودولة الرئيس (نبيه بري) وأنا لأورتاغوس. وهذا ما نعمل عليه”. ورداً على سؤال، قال سلام: “لم يصلني أي تهديدات لا من أورتاغوس ولا من غيرها حول احتمال عودة الحرب إذا لم تضع الحكومة جدولاً زمنياً لحصر السلاح”.
وبرزت في هذا السياق ردة فعل حادة لـ”القوات اللبنانية” حيال موقف الوزير غسان سلامة، عكسها النائب جورج عدوان ملوحاً بطرح الثقة بالوزير سلامة. واعتبر عدوان “مرة جديدة بأننا نضيع وقتنا إن اعتبرنا أن أي إصلاح ممكن أن يحصل إن لم تفرض سيادة الدولة على كامل أراضيها ويحصر السلاح بالدولة وكذلك قرار الحرب والسلم”. أضاف: “سمعنا الوزير غسان سلامة يتحدث عن أن موضوع السلاح خارج الدولة يرتبط بمسألة إعادة الإعمار، ونقول لرئيس الحكومة نواف سلام إن المطلوب منه اليوم هو تدبير سريع في حق الوزير سلامة لأنه يخالف البيان الوزاري والقرارات الدولية، وإن لم يتم فنحن كتكتل “الجمهورية القوية” قد نطرح الثقة به”. وقال: “طلبنا من الحكومة أن تضع بنداً يتعلق بجمع السلاح وتسلّم المراكز الأمنية والعسكرية على جدول الأعمال، والحكومة التزمت بهذا القرار في بيانها الوزاري ومنحنا الثقة على أساس هذا البيان”.
ولعل اللافت في هذا السياق، أن وزير الثقافة سيحضر “مبدئيا” كما أعلن مكتب النائبة ستريدا جعجع في الرابعة عصر اليوم مؤتمراً صحافياً تعقده النائبة جعجع في معراب لإعلان برنامج مهرجان الأرز، كما يحضر معه وزيرا الخارجية والسياحة. ويسبق هذا المؤتمر مقابلة تلفزيونية لرئيس حزب “القوات” سمير جعجع مساءً عبر برنامج “صار الوقت” يُنتظر أن يتطرق فيها إلى موقف الوزير سلامة وغيرها من مواضيع الساعة.
تهديد الشويفات!
أما في ما يتصل بتطورات الوضع الميداني بين لبنان وإسرائيل، فلفت أمس إعلان المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر منصة “إكس”، “أن حزب الله يحاول خلال الأشهر الأخيرة إعادة إعمار موقع تحت الأرض لإنتاج وسائل قتالية في قلب حي الشويفات في الضاحية الجنوبية، والذي تم إنشاؤه قرب مدرسة وتحت مبانٍ سكنية، وذلك بعد أن تم استهدافه في شهر نوفمبر 2024”.
وأضاف: “تم نقل المعلومات عن هذه المحاولات في مطلع شهر يناير إلى آلية الرقابة، وبناءً عليه تقرر إجراء تفتيش مفاجئ في الموقع لكن الصور الجوية أظهرت أن حزب الله، الذي علم مسبقًا بموعد التفتيش، قام بإخلاء الآليات الهندسية التي كانت تعمل في الموقع في اليوم الذي أُجري فيه التفتيش، ثم أعادها بعد انتهائه”. وتابع: “هذا النشاط الخطير يعتبر خرقًا سافرًا للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان ضمن اتفاق وقف إطلاق النار. يبقى الجيش الإسرائيلي ملتزمًا باستمرار تنفيذ التفاهمات بين إسرائيل ولبنان، وسيواصل العمل من أجل إزالة أي تهديد عن دولة إسرائيل ومنع أي محاولة تموضع من قبل حزب الله الإرهابي”. ونشر أدرعي صورة قال إنها لـ”موقع الإنتاج” في الشويفات.
في سياق آخر متصل بملف السلاح، قام وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني بجولة على مرفأ بيروت، نافياً عبرها المزاعم عن عودة تحكّم “حزب الله” بالمرفأ، وأعلن أنّ العمل في المرفأ سيجري “بنفس القوّة التي عملنا فيها في المطار”، كاشفًا عن اجتماع عقده مع الأجهزة الأمنية العاملة في المرفأ، ومؤكدًا أنّ “الأمن هنا ممسوك بيد من حديد”. وردًا على ما صدر من تشكيك في قدرة تشغيل المرفأ، قال رسامني: “لن نسمح لأحد أن يشكّك، ولن نسمح بالكلام الذي صدر بالأمس. وإذا في شي، اعطونا أي دليل”.