متفرقات

أطفالنا والحرب: هكذا يموتون مرّتين!

كتبت مريم حرب في موقع mtv:

حتى وإن توقّفت الحرب في هذه اللحظة، فإنّ آثارها التدميرية طُبعت في عقول الكبار ونفوسهم وأجسادهم، فكيف حال الحلقة الأضعف في المجتمع، الأطفال؟ أعداد الشهداء في تزايد يومي. الأطفال الذين نجوا من الأذية الجسدية، تركت الحرب فيهم ندوبًا نفسيّة عميقة.

تأثير الحرب النفسي عميق جدًا ويختلف من طفل إلى آخر، وفق قربه من مناطق النزاع ومن التجارب الشخصية لكل واحد منهم. وقد بدأت تظهر علامات على كثيرين منهم، من الضيق النفسي والسلوكي والجسدي. فالأطفال الموجودون في رقعة الحرب يتأثرون ليس فقط بالعنف الجسدي، إذا ما تعرّضوا لإصابة مباشرة، إنّما أيضًا إذا رأوا مشهدًا مؤلمًا أمامهم. وشرحت الاختصاصية في علم النفس العيادي راغدة ملكي أنّ “الإصابة المباشرة نتيجة القصف أو رؤية مصاب أو قتيل تخلق لدى الطفل إضطرابات ما بعد الصدمة، فيرى كوابيس وينفصل عن الواقع وتنطبع لديه ذكريات بشعة”.
وأضافت، في حديث لموقع mtv، أنّ التعرّض المتكرّر لهذه المشاهد يؤدي إلى صدمة كبيرة طويلة الأمد. ولفتت إلى أنّه “ينجم عن الصدمة التي عاشها الطفل عدم تعاطفه مع ما يحصل أو ما يسمّى بحالة غير المتعاطفين أو المتعاطفين المتلبّدين، وقد تستمرّ هذه الحالة في المستقبل ما لم تُعالج”.

مزّقت الحرب البيئات الآمنة والراعية التي يعيش فيها الأطفال. كثيرون أجبروا على مغادرة منازلهم خوفًا من القصف. وأشارت ملكي إلى أنّه يخلق لدى هؤلاء الأطفال تحديّات فريدة متعلقة بالفقدان وعدم الاستقرار والتكيّف في بيئة جديدة بعدما تغيّرت كل حياتهم. وتابعت: “هؤلاء الأطفال يفقدون الشعور بالأمان والإنتماء وتظهر صعوبات في التكيّف مع البيئة الجديدة، خصوصًا إذا ما كانت هناك اختلافات ثقافية ولغوية، كما أنّ التهجير يؤدي إلى مشاعر حزن واكتئاب وانطواء وعزلة وصعوبة إقامة علاقات مع أشخاص جدد”. خلال هذه الحرب، أصدر الجيش الإسرائيلي إنذارات عاجلة للسكان لإخلاء مناطق عدة وفي ساعات إذا لم تكن دقائق معدودة، هذا الهروب السريع من منطقة يولّد لدى الطفل صدمة تظهر جليّة في سلوكياته مثل عدم القدرة على التكيّف مع أي محيط جديد.

لم يطل القصف والغارات مناطق عدّة في لبنان، لكن هذا لا يعني أنّ الأطفال في هذه المناطق محيّدون ولم يتعرّضوا لتأثير نفسي. في هذه الحالة، يتأثّرون إنّما بطريقة غير مباشرة، فهم يسمعون صوت الطائرات بشكل مستمرّ، والأحاديث عن الحرب ويشاهدون ما يحصل من تطوّرات عبر شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأكّدت ملكي أنّ هذه الفئة من الأطفال ستُعاني من صدمة ثانية تؤدي إلى قلق، ويدخل الطفل في خوف عام، أي أنّه يخاف من أن يتعرّض أحد من أهله أو أحد الأشخاص الذي يحبّهم الطفل إلى ضرر ما، أو أن تتعرّض المنطقة التي يسكن فيها للقصف. وأردفت: “كما تحصل لدى هذه الفئة من الأطفال اضطرابات في النوم من أرق وكوابيس”.
الآثار السلبيّة للحرب لا تقف عند هذا الحدّ، بل تتعدّاه لتطال الصحة العقلية للأطفال.

يُجبر أطفالنا اليوم على العيش في بيئة غير صحيّة وتحمّل فترات طويلة من التوتر النفسي، ونتيجة لذلك مواجهة مخاطر صحية ونفسية خطيرة، قد تستمرّ آثارها مدى الحياة. لذا، لا بدّ من معالجة نفسية وتوفير هذه الخدمة سريعًا بشكل يضمن لهم مرونة وشفاء، حتى لا تكبر معهم هذه الآثار وتتظهر في مرحلة المراهقة وما بعدها بطرق بشعة ومؤذية للطفل ولمحيطه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى