متفرقات

المنازلة بين العولمة والأمركة «على المنخار» والنزاع على الشرعيّة

كتبت صحيفة “البناء”: يذهب الأميركيون بغير يقين نحو اختيار بين المرشحين الرئاسيين، الرئيس السابق دونالد ترامب مرشحاً عن الحزب الجمهوري، ونائبة الرئيس كمالا هاريس مرشحة عن الحزب الديمقراطي، وفي المرة الثالثة لترشيح ترامب تتعادل فرص فوزه كما في المرة الأولى وخسارته كما في المرة الثانية، وتتعادل أيضاً فرصة سلاسة القبول بالنتائج كما في المرة الأولى وفرصة الاحتجاج والرفض وصولاً للانتفاضة، كما حدث في المرة الثانية. والتشكيك بالنتيجة حاضر في معسكري المرشحين، حيث إلقاء اللوم على حكومة الولاية التي تكون الخسارة فيها مؤلمة وحاسمة لأحد المرشحين ويكون الحاكم من الحزب الآخر.

المشهد لا يبدو مجرد عملية انتخاب تقليدية، والناخبون هم مَن يصف الخيارات بعدم اليقين وعدم الرضا، وهم من يقولون إن بلدهم يذهب الى خيارات غير مطمئنة، وإنهم غير واثقين من كونهم يستطيعون فعل شيء لمنع هذا الانزلاق، والانقسام المكرّر لمرة ثالثة بين نصفين يبدوان متساويين يعبر عن منازلة بين مشروعَي العولمة والأمركة، الذي لخصه ترامب بمعادلة أميركا العظيمة لا أميركا العظمى، والمنازلة ليست بين شعارات بل بين معسكر الرابحين وأصحاب الغنائم من مشروع العولمة، من أصحاب ومدراء وزبائن الاقتصاد الافتراضيّ في المصارف والبورصات والأسواق المالية، ومن خلفهم المجمع الصناعيّ العسكريّ ومراكز الأبحاث والصحف الكبرى وقنوات التلفزة وحشد من المتضرّرين من محافظة وعنصرية طروحات ترامب ومعسكره، من المثليين واللاتينيين ونساء وأصحاب بشرة سوداء، بينما وراء ترامب يصطفّ كل الخاسرين من مشروع العولمة والحالمين بأميركا وراء المحيطات، مستشفى وجامعة ومصنع ومزرعة وشركة مقاولات وحفار نفط، بلا مهاجرين، وغالبية بيضاء بروتستانتية، وكما هو الخليط هجين هنا هو كذلك هناك، وكما الخوف محرّك فعال هنا القلق محرّك فعال هناك.

المنازلة بين العولمة والأمركة تصير بين الصهيونية والأسرلة في ما يتعلق بمنطقتنا والموقف من كيان الاحتلال، الذي لن يتغيّر شيء لجهة عدمه لا زيادة ولا نقصان، فما قدّمه الرئيس جو بايدن الصهيوني سوف يواصل ترامب تقديمه كما هاريس، ولن يستطيعا تقديم المزيد. والفارق هو أن الديمقراطيين يدعمون الكيان من موقع نظرتهم لمشروع العولمة كأساس للهيمنة على العالم ومكانة الكيان في هذا المشروع، ومسؤوليتهم عن منع هزيمته، بينما ينظر أغلب الجمهوريين وخصوصاً الإنجيليين بعين الانتماء التوراتي لـ “إسرائيل”، واعتبار الإنجيل مجرد عهد جديد والتوراة هي العهد القديم.

في واشنطن وتل أبيب من قيام إيران بضربة قاسية للكيان، تعبّر عنها المواقف المتلاحقة للبنتاغون والبيت الأبيض والخارجية الأميركية بتحذير إيران، بينما على جبهة جنوب لبنان تراجع في العمليات البرية بعد فشل هجوم الفرقة 98 في جيش الاحتلال على مدينة الخيام وبلدات كفركلا والعديسة، بما يبدو استنفاداً لفرص نجاح العملية البرية.

فيما تتجه أنظار المنطقة والعالم إلى نتائج الانتخابات الأميركية المتوقعة اليوم وانعكاساتها على مسار الحرب على غزة ولبنان والمنطقة، بقي الميدان سيّد الموقف بانتظار أن ما سيقرّره «سيد» البيت الأبيض الجديد وإدارته على صعيد استكمال المفاوضات في ملف صفقة التبادل ووقف إطلاق النار على جبهتي غزة وجنوب لبنان، أم أن نتنياهو سيستفيد من الفترة الفاصلة بين إعلان نتيجة الانتخابات وتسلّم الرئيس الجديد صلاحيّاته رسمياً مطلع العام الجديد، وما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركيّة في الأصل بمؤسّساتها العميقة تريد وقف الحرب.

لكن مصادر دبلوماسية لفتت لـ”البناء” الى أنه “من المبكر الحديث عن انعكاسات الانتخابات الأميركية وهوية الرئيس المقبل على مجرى الحرب في لبنان وغزة في ظل الحسابات المعقدة والمصالح المتشابكة للصراع في المنطقة، وبالتالي الغموض لا يزال يلفّ هذا الاستحقاق وتداعياته إلى أنْ يعلن الرئيس الفائز ويحدّد معالم خطابه الرئاسيّ وبرنامجه عمله ومقاربته لملفات السياسة الخارجية خاصة في الشرق الأوسط بشكل واضح ويبدأ بممارسة صلاحياته”، وحتى ذلك الحين وفق المصادر “لا تغيير جذرياً في ملف الحرب تحديداً على الأقل خلال الشهرين المقبلين، وبالتالي فإن مسار الحرب سيستكمل وفق رؤية رئيس الحكومة الإسرائيلية بتصعيد الحرب على غزة وعلى حزب الله لتحقيق أهدافه بانتظار رؤية الإدارة الأميركيّة للصراع في المنطقة برمّته وعلاقتها بإيران وروسيا والصين”، علماً أن “هناك استراتيجيات وثوابت محددة في الولايات المتحدة الأميركية كدعم إسرائيل والنفط والغاز والهيمنة على العالم… تقيّد الرؤساء والذين يختلفون ربما على طريقة وأدوات ووسائل تطبيق هذه الاستراتيجيات أكان عبر الحروب العسكريّة المباشرة أو الاحتلالات أو الحصار والعقوبات الاقتصادية أو عبر إحداث الفتن والفوضى لتدمير الدول من داخلها، أو غيرها من الوسائل كدعم الإرهاب وإنشاء كيانات منفصلة وإذكاء النزاعات وإشعال الحروب بين دول المنطقة”.

وقد أفادت وسائل إعلامية بأن المبعوث الأميركي أموس هوكشتاين سيعود إلى الشرق الأوسط مجدداً الأسبوع المقبل، فيما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مسؤولين، أن “التوصل إلى اتفاق تسوية بخصوص لبنان ممكن في غضون أسبوعين”. غير أن أوساطاً مطلعة لـ”البناء” استبعدت التوصل الى وقف إطلاق النار في المدى المنظور، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي ورغم أنه يتكبّد الخسائر الكبيرة في جنوب لبنان وفي المستوطنات والمدن الإسرائيلية جراء صواريخ حزب الله، ورغم التقارير التي ترفعها قيادة الجيش الإسرائيلي إلى المستوى السياسي لضرورة إعادة النظر بالعملية البريّة وبالحرب برمّتها على لبنان، ورغم التراجع في الخطاب السياسي والأهداف من قبل نتنياهو ووزير حربه غالانت، إلا أن ظروف إنهاء الحرب لم تنضج ولن تنضج قبل أن يتظهر الميدان في الجنوب أكثر وارتفاع وتيرة عمليات المقاومة إلى درجة لا يستطيع العدو تحمّلها، وبالتالي يصبح الداخل الإسرائيلي جاهزاً لوقف الحرب، إضافة الى انتظار حكومة “إسرائيل” الانتخابات الأميركية ومقاربات الرئيس الجديد وما سيقرره في ملف الحرب وحجم الضغوط على حكومة إسرائيل لوقف الحرب، إضافة الى ترقب الردّ الإيراني على “إسرائيل” والذي وصفته صحيفة وول ستريت جورنال بأنه معقّد وعنيف وتداعياته على “إسرائيل” وعلى الحرب في المنطقة وعلى تقييم الولايات المتحدة لهذه الحرب، وهذه الأمور لن تترجم وتتظهر بشكل واضح قبل أشهر وربما سنة.

على الصعيد الميداني، واصل العدو الإسرائيلي عدوانه على لبنان، وشنّ طيرانه سلسلة غارات على الجنوب والبقاع، وحلق الطيران الاستطلاعي والمسير والحربي في أجواء قرى القطاعين الغربي والأوسط، وصولاً حتى مشارف مدينة صور والساحل البحري، وأطلق القنابل المضيئة فوق القرى الحدودية. كما أغار الطيران الحربي المعادي على أطراف جبال البطم. وواصلت “كشافة الرسالة الإسلامية” في معروب عملية سحب الجرحى ورفع الأنقاض، بعد غارة استهدفتها عصر أمس.

وأعلن مركز عمليّات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة في التقرير اليوميّ لحصيلة وتداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان، أن غارات العدو الإسرائيلي ليوم الأحد الماضي أسفرت عن 16 شهيداً و90 جريحاً. وبلغت الحصيلة الإجمالية لعدد الشهداء والجرحى منذ بدء العدوان حتى يوم أمس الأول 3002 شهيد و13492 جريحاً. فيما أشار المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الى أن “الوضع الإنساني في لبنان وصل إلى مستويات تتجاوز شدة حرب 2006 وسط تصاعد الأعمال العدائية”.

في المقابل أعلنت المقاومة الإسلامية في بيانات متلاحقة عن سلسلة عمليّات نوعيّة، فقد أشارت المقاومة إلى أنه “وفي إطار التحذير الذي وجّهته المقاومة الإسلامية لعددٍ من مستوطنات الشمال، استهدف المجاهدون مستوطنات “اييليت هشاحر” و”شاعل” و”حتسور” و”دلتون”، بالإضافة الى وحدة المراقبة الجويّة في قاعدة ميرون بصلية صاروخيّة.

وأعلن حزب الله “أننا شنينا هجوماً جوياً بسربٍ من المسيرات الانقضاضيّة على تجمّع لقوات جيش العدو الإسرائيلي في ‌‏مستوطنة المنارة وأصابت أهدافها ‏بدقة، وهجوماً جوياً بسربٍ من المسيّرات الانقضاضيّة على تجمعٍ لقوات جيش العدو الإسرائيلي في ‌‏مستوطنة يفتاح وأصابت أهدافها ‏بدقة”. وقال: استهدفنا تجمعاً لقوات جيش العدو شرقي بلدة مارون الراس بمُسيّرة انقضاضيّة وأصبنا هدفها بدقّة. وقصف الحزب مستوطنة نهاريا بصلية صاروخية ‏كبيرة. وأعلن أن “صلية صاروخية كبيرة استهدفت قاعدة ميرون للمراقبة الجوية، كما استهدف مدينة صفد بصلية صاروخيّة كبيرة. كما قصفت المقاومة قاعدة ميرون لمراقبة وإدارة العمليّات الجويّة بصلية صاروخية، ومستوطنة كدمات تسفي بصلية ‌‏صاروخية، ومستوطنة اييليت هشاحر بصلية ‌‏صاروخية”.‏

وأعلن المتحدث باسم جيش العدو الإسرائيلي عن إصابة 19 عسكريًا في معارك غزة ولبنان خلال الساعات الـ 24 الماضية.

على الصعيد السياسي، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة قائد الجيش العماد جوزف عون، حيث جرى عرض للأوضاع العامة والمستجدات الأمنية والعسكرية والميدانية في ضوء مواصلة “إسرائيل” لعدوانها على لبنان. كما استقبل رئيس الحكومة العماد عون الذي أطلعه على التحقيق الداخلي الذي تقوم به قيادة الجيش في شأن عملية الخطف التي حصلت في البترون. وأفادت معلومات صحافية أن قائد الجيش حمل معه الى السراي أكثر من خريطة وصوراً التقطها الرادار فجر الجمعة. كما استقبل ميقاتي المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري.

بدوره، أكّد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي تعليقاً على حادثة البترون أنّ “لبنان يتعرّض إلى حرب”، مشيرًا الى أنّ “ما حدث في البترون خرق حربي والتحقيقات جارية لمعرفة تفاصيل ما حدث”. وشدّد على أنّ القوى الأمنية الشرعية هي التي تحمي لبنان واللبنانيين والتعرّض للجيش اللبناني مرفوض. ولفت في مؤتمر صحافي بعد اجتماع أمنيّ الى أنّ “أي بلد لا يستطيع تحمّل هذه النسبة الكبيرة من النزوح دون أن تُشعَل فوضى”. وقال: “شهدنا أزمة نزوح كبيرة وربع الشعب اللبناني نزح من مكان الى آخر وبعد شهر ونصف من النزوح الكثيف انخفضت نسبة الإشكالات والقوى الأمنيّة والعسكريّة مستمرة بالقيام بواجباتها”. أضاف: “عدد الجرائم الى انخفاض ولم يتعدّ عدد الإشكالات الصغيرة الـ100 “. وأوضح أنّ “قوى الأمن الداخلي، وبإشارة من القضاء المختص، ستقوم بإزالة التعديات على الأملاك الخاصة مع تأمين كامل لكرامة النازح”. ودعا الإعلام الى “عدم الانزلاق الى الفتنة والأخبار الكاذبة”.

وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنّ “تمادي العدو الإسرائيلي في عدوانه على لبنان والجرائم التي يرتكبها قتلاً وتدميراً، هي برسم المجتمع الدولي الساكت على ما يجري، في الوقت الذي ينبغي أن تمارس الدول التي تحمل لواء الإنسانية وحقوق الإنسان أقصى الضغط على “إسرائيل” لوقف عدوانها”. وقال ميقاتي إن “الحكومة اللبنانية أعلنت صراحة التزامها بالقرار 1701، وعزمها على تعزيز الجيش في الجنوب، ورحّبت بكل المواقف التي تدعو إلى وقف إطلاق النار، إلا أن العدو الإسرائيلي انقلب على كل الحلول المقترحة ومضى في جرائم الحرب بحق مختلف المناطق اللبنانية وصولاً إلى استهداف المواقع الأثرية. وهذا بحد ذاته جريمة إضافية ضد الإنسانية ينبغي التصدّي لها ووقفها”. أضاف: “إننا نجدّد مطالبتنا بالضغط لوقف العدوان تمهيداً للبحث في السبل الكفيلة بتطبيق القرار 1701 بحرفيته وكما أُقرّ، من دون أي إضافات أو تفسيرات”. وقال: “لقد أقرّت الحكومة في جلسة سابقة قراراً بتعزيز وجود الجيش وتطويع عسكريين، وفي الجلسة المقبلة أيضاً سنبحث في بعض الخطوات التنفيذية لدعم عملية تطويع 1500 عنصر لصالح الجيش”. وشدّد رئيس الحكومة “على ضرورة الضغط على “إسرائيل” لتحييد المدنيين والطواقم الطبية والإسعافية عن الاستهداف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى