متفرقات

يخوت اللبنانيين من علامة ترف إلى وسيلة نجاة

مع اشتداد الحرب، أصبحت اليخوت البديل الأمثل للنجاة بحراً من لبنان وللابتعاد من ظروف الحرب نحو قبرص كوسيلة آمنة ومريحة على رغم ارتفاع كلف هذه الرحلات.

مع توسع الحرب الإسرائيلية على لبنان ألغت شركات الطيران كل رحلاتها من وإلى بيروت، وبقيت خطوط طيران الشرق الأوسط اللبنانية وحدها تعمل على تلبية الطلبات المتزايدة لمغادرة البلاد. وفي ظل اشتداد القصف في مختلف المناطق، ومن ضمنها محيط مطار رفيق الحريري الدولي في العاصمة، لم يعد المطار اختياراً آمناً للسفر، إضافة إلى كون المغادرة بالطائرة تستدعي الانتظار طويلاً بسبب الطلب الزائد على الحجوزات.

وفي ظل ظروف الحرب الصعبة، كان على المواطن اللبناني تأمين البديل للنجاة إلى بلاد آمنة بعد أن أصبح الوجود في بلده محفوفاً بالأخطار، خصوصاً في مناطق معينة منه. فالكل وجد نفسه أمام مستقبل مجهول، ولا أحد يعلم بالحجم الذي يمكن أن يتخذه القتال والقصف في الأيام المقبلة، وكانت المغادرة الآمنة بأسرع وقت ممكن ضرورة ملحة لكثر.

وبما أن السفر براً لم يعد أيضاً من الاختيارات الآمنة للمغادرة بعد أن ضربت إسرائيل معبر المصنع الحدودي وقطعت الطريق الدولية بين سوريا ولبنان، توجهت الأنظار إلى البحر كمجال آمن للنجاة. وكما اعتاد اللبناني في الأزمات والحروب على توفير البدائل المناسبة سريعاً، بدأت اليخوت تتحول إلى وسيلة لمغادرة البلاد برفاهية وأمان.

من “قوارب الموت” إلى اليخوت

طوال السنوات الماضية كانت قصص “قوارب الموت” التي استعان بها اللبنانيون للمغادرة إلى بلاد أخرى في الواجهة، فهذه المراكب التي استعانوا بها للنجاة والهرب من واقع مأسوي، كانت تتحول سريعاً إلى قوارب موت مع تكرار حالات الغرق في البحر نظراً إلى افتقادها أدنى معايير السلامة والأمان.

هذه المرة بقي البحر الملجأ الأوحد للنجاة من القصف المتواصل في مختلف المناطق، إلا أن الوسيلة اتخذت منحى مختلفاً مع تغيير لافت في ظروف المغادرة لتغلب عليها الرفاهية والأمان كمعيارين أساسيين تم التركيز عليهما في الإعلانات التسويقية لهذه الرحلات.

أيضاً، اختلفت هذه الرحلات عن تلك التي عرفت في “قوارب النجاة” بكونها تنظم بالتنسيق التام مع الأجهزة الأمنية وبطريقة قانونية تماماً، على خلاف رحلات المراكب تلك التي كانت فئات معينة تلجأ إليها هرباً من الوضع الكارثي في هجرة غير شرعية، وغالباً ما كانت تنتهي بطريقة مأسوية بدلاً من أن يتحقق الحلم.

هذه اليخوت التي تستخدم منذ قرابة أسبوعين في عمليات الإجلاء والهرب من البلاد هي في معظمها لمالكين استعانوا بوكلاء ومكاتب سياحة وسفر لتنظيم الرحلات لهم، ويستفيدون في الوقت نفسه من تشغيل اليخوت. فبهذه الطريقة يحققون مكاسب مادية من تشغيل يخوتهم في ظروف يبحث فيها كثر عن أي وسيلة للهرب من الحرب إلى بلاد مجاورة، خصوصاً قبرص وتركيا كوجهتين أساسيتين. لذلك شهدت حركة الهجرة الموقتة هذه إقبالاً متزايداً، وتكثفت الرحلات اليومية إلى قبرص وتركيا، إما كوجهتين نهائيتين، أو بهدف الانتقال منهما إلى دول قريبة بعدها.

من الشواطئ اللبنانية، تنطلق عشرات الرحلات باليخوت يومياً. هي رحلات تسوق لها بكثافة مكاتب السياحة والسفر ووكالات وحتى مكاتب سيارات أجرة على أنها تعتمد على أفضل معايير السلامة مع إمكانية الحجز السريع من دون الحاجة إلى الانتظار. وبقدر ما كانت تتكثف الضربات الإسرائيلية ويستمر القصف كان حجم الطلب على الرحلات اليومية باليخوت يزيد، وإن كان الثمن غالياً. وإذا بالإعلانات التسويقية لها تتكثف في الأسبوعين الأخيرين على وسائل التواصل الاجتماعي، كوسيلة بديلة للخروج من لبنان بأسرع وقت ممكن. ويؤكد أفراد أو مكاتب سياحة في هذه الإعلانات، القدرة على توفير فرصة آمنة ومترفة لمغادرة لبنان.

فيزا قبرص شبه مستحيلة

المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القبرصية ثيودوروس غوتسيس قال في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، إن هذه الرحلات البحرية تحصل بتنسيق كامل مع الأجهزة الأمنية اللبنانية والقبرصية وتحت إشرافها، مضيفاً “وحدهم من يحملون فيزا أو إقامة قبرصية يستطيعون الدخول إلى أراضينا بهذه الطريقة، تماماً كما في ظروف السفر العادية”. وأوضح “على رغم أننا نستمر بإصدار إجازات السفر، مع زيادة الطلب أصبحنا لا نستجيب للكل، وهناك مزيد من التشدد في إصدار الفيزا، إذ تؤخذ الآن معايير كثيرة في الاعتبار، خصوصاً بعد الذي واجهناه من مشكلات منذ أشهر قليلة. حالياً إذا كان هناك لبناني لا يملك فيزا، ويريد التقدم بطلب للحصول على واحدة للسفر إلى قبرص، يعد ذلك شبه مستحيل، خصوصاً أن الشروط المطلوبة للفيزا السياحية يصعب توفيرها وهناك معايير معينة نلتزمها”. وتابع “هدفنا اليوم هو تنظيم الأمور، وأن تبقى تحت السيطرة. قد لا نتمكن من الاستمرار باستقبال الطلبات في الظروف الحالية، وإن كنا نحاول ذلك قدر الإمكان. أما بغير ذلك فنحن مستمرون في التعاون وتقديم المساعدة للبنان. وحالياً ندعو إلى وقف إطلاق النار، كما نخطط لجمع مساعدات طبية ونقلها إلى لبنان ونضع خطة لتقديم أدوية ومساعدات عينية”.

يملك معظم الذين دخلوا إلى قبرص في الرحلات المنطلقة باليخوت إقامات في قبرص، أو أنهم من الأوروبيين الذين قرروا اللجوء إلى هذه الطريقة في الإجلاء. وهنا يؤكد غوتسيس أن هذه الرحلات اعتمدت في عمليات إجلاء في معظمها لحاملي الإقامات والأجانب واللبنانيين الذين يحملون جواز سفر أجنبياً، خصوصاً الأوروبيين، أو هم من المقيمين في قبرص، وقليلة هي تلك التي كانت تجارية عند اختيار قبرص كوجهة. وأضاف “في 10 أيام كانت هناك قرابة 1550 حالة إجلاء. أما اللبنانيون فيشكلون نسبة لا تتعدى 20 في المئة ممن لجأوا إلى الهرب بالبحر في اليخوت إلى قبرص. ومعظم الذين غادروا إلى قبرص بهذه الطريقة هم من الأستراليين. وكانت البرتغال أولى الدول التي أمنت رحلات إجلاء من قبرص لمواطنيها، فحملت أول رحلة 44 شخصاً. بصورة عامة، معظم الذين هربوا من لبنان باليخوت، عادوا وغادروا قبرص إلى بلادهم. وأُمِّن من لا يزالون بانتظار رحلات إلى بلادهم وفق برنامج National Estia Plan”.

10 ساعات

يشير “جاد” وهو أحد الوكلاء المعنيين بتنظيم رحلات كهذه باليخوت إلى كثافة الطلب على هذه الرحلات من يوم اغتيال الأمين العام السابق لـ”حزب الله” حسن نصرالله. ويتولى هو، كوكيل لجأ إليه أصحاب يخوت، تنظيم الرحلات وتوفير كل الأوراق القانونية المطلوبة لها من جواز سفر وفيزا وغيرها.

وعن كلفة الرحلة يقول إنها قد تختلف من يوم إلى آخر بحسب الطلب، وسعر البطاقة للشخص الواحد على متن اليخت إلى قبرص هو 1600 دولار أميركي، ويمكن أن تصل إلى 2300، لكن، على حد قوله، ليست هذه الرحلات مستجدة، هذه الرحلات كانت تحصل سابقاً، وهي قانونية تماماً، وتجري وفق شروط ومعايير مشابهة لتلك التي في أي رحلة بالطائرة مع ختم أصول وخروج مراقبة من الأجهزة الأمنية.

وتنطلق من خمس إلى 10 رحلات باليخت لديه يومياً إلى قبرص. أما مدة الرحلة فقرابة 10 ساعات، لكن على رغم طول المدة، يلجأ كثر إليها كوسيلة آمنة ومريحة بديلة عن السفر بالطائرة، ونظراً إلى الأخطار التي يمكن التعرض لها في حال السفر عبر المطار مع إمكانية التعرض للقصف في أي لحظة بما أن الاحتمال وارد على رغم التطمينات.

من جهتها، تقول ريتا شاهين مديرة أحد مكاتب السياحة والسفر إن الرحلات باليخوت تنطلق يومياً باتجاه قبرص أو مرسين في تركيا، وتكلفة الرحلة الواحدة إلى قبرص هي 1800 دولار أميركي للشخص الواحد و2500 دولار أميركي إلى مرسين التركية بما أن المسافة أبعد، لكن البعض يختار تركيا في حال عدم توافر فيزا تخولهم الدخول إلى قبرص. وتضيف “تعد تركيا اختياراً مفضلاً للبنانيين غالباً، وخصوصاً في مثل هذه الظروف بما أن دخول الأراضي التركية لا يستدعي الحصول على فيزا. أما من يختارون قبرص فهم من يملكون إقامة، أو جواز سفر أجنبياً، أو فيزا حصلوا عليها سابقاً”. وتمضي في حديثها “بعدما كانت هناك رحلات مباشرة إلى قبرص فإنها توقفت، ومن هنا قرر أصحاب اليخوت تشغيل يخوتهم في هذه الظروف والاستفادة منها في عمليات إجلاء وتجارة. ونحن نعمل كوسطاء لتنظيم هذه الرحلات عبر توفير أذونات السفر الشرعية والشروط المطلوبة”.

لم يعمل إيهاب يوماً في السابق في تنظيم الرحلات، وعلى حد قوله، هو يعمل في مكتب لسيارات الأجرة، وانتقل المكتب إلى تنظيم هذه الرحلات بسبب ارتفاع الطلب عليها ولتسهيل عملية الهرب من ظروف الحرب لمن يحتاج إليها. وأتت هذه الوسيلة القانونية لتسهيل أمور كثر وازداد الطلب عليها بصورة مفاجئة، وإن كان سعر التذكرة يقارب الـ2000 دولار للشخص الواحد. علماً أن القدرة الاستيعابية لليخت لا تزيد على 10 إلى 15 شخصاً وهذا ما يزيد الكلفة خصوصاً. أما من يلجأون إليها فهم من عائلات في معظمهم، أو أفراد من الأجانب أو من يحملون إقامة في قبرص من اللبنانيين، فيما قد يختار تركيا، على حد قوله، من لا تسمح لهم ظروفهم بالسفر إلى قبرص.

المصدر: عربية Independent

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى