متفرقات

12 ألف شهيدة وخمسة آلاف أرملة: الحرب… على النساء أيضاً

دير البلح | تصطف راوية يوسف (37 عاماً)، كل يوم، وفي يدها غالون بلاستيكي، في طابور طويل أمام عربة مياه تزور حيّها السكني في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، للحصول على مياه للشرب. تقول يوسف، التي ترمّلت بعد استشهاد زوجها برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي لدى اجتياحها المخيم، في حديث إلى «الأخبار»، إنها «أصبحت المعيل الرئيسي لأطفالها البالغ عددهم خمسة (4 بنات وولد واحد)، وهو الأمر الذي أجبرني على تحمُّل مسؤوليات مضاعفة». وبعد حصولها على مياه الشرب، تبدأ السيدة رحلتها اليومية مع عجن الدقيق بيديها، وخبزه في فرن الطين الذي ابتاعته لإطعام أسرتها. على أن أُسرة يوسف، كما بقية الأسر في شمالي القطاع، «تعيش مجاعة قاسية بسبب عدم سماح إسرائيل بإدخال المواد الغذائية المهمّة، مثل الخضر واللحوم». ثم تتوجّه إلى الأسواق الشعبية، لبيع ما لا تحتاجه من معلّبات البقوليات التي تحصل عليها بشكل دوري من وكالة «الأونروا». وتضيف: «بعد خمس أو ست ساعات أقضيها في بيع المعلّبات، أتحصّل على ربح يومي لا يتجاوز الـ30 شيكلاً (8 دولارات)، أشتري بها احتياجات مهمّة لأطفالي». وتتبع يوسف هذا الروتين اليومي لضمان توفير احتياجات أسرتها، متمنّيةً أن تنتهي الحرب قريباً، وأن «يتمّ الاعتناء بالأرامل اللواتي فقدن أزواجهن خلالها، وبتن وحيدات في مواجهة أعاصير الحياة وقسوتها».أمّا رائدة الحلبي (43 عاماً)، فاضطرّت إلى العمل في خياطة الأحذية المهترئة على بسطة صغيرة في سوق النصيرات وسط قطاع غزة، بعدما سلبتها الحرب زوجها، علماً أنها كانت، قبلها، تعمل محاسبة في شركة مفروشات في مدينة غزة، ولكنها نزحت، مع بدء العدوان، رفقةَ زوجها وأطفالها الأربعة جنوباً، قبل أن يستشهد الزوج، في آب الماضي، جرّاء غارة إسرائيلية استهدفته في مدينة رفح جنوبي القطاع، عندما كان ذاهباً إلى السوق لشراء طعام لأطفاله. وتقول الحلبي، لـ«الأخبار»: «لا أعرف كيف سأواجه غيابه وأربّي الأطفال من دونه… في بعض الأحيان، عندما يغضبني الأطفال، أهدّدهم بأنني سأخبر والدهم، ولكني أتذكّر بأنه لم يَعُد معنا». وباعت الحلبي بعضاً من مصاغها الذهبي لتأسيس مشروعها الصغير لتخييط الأحذية، بعدما لم تجد أيّ جهة تدعمها؛ «فالأرامل تُركن وحيدات في هذه الحرب. لا يكترث بنا أحد»، كما تقول. وتحقّق السيدة «ربحاً يومياً لا يتجاوز الـ50 شيكلاً (14 دولاراً)، أدّخر هذا المال من أجل إعادة ترميم جزء من منزلي المدمّر في غزة، ليؤوينا من التشرّد في الشوارع». ورغم عملها الذي يتطلّب منها تسع ساعات متواصلة كل يوم، ترفض الحلبي «بشكل قاطع» أن يقوم أيّ من أطفالها بمساعدتها في مهنتها، إذ «لن أسمح بأن يكون مستقبل أطفالي في هذه المهنة»، بحسب قولها. ولذلك، فهي تحافظ على إرسالهم، يومياً، إلى خيمة تعليمية أسّسها معلّمون نازحون، من أجل تلقّي دروسهم التعليمية التي فاتتهم خلال الحرب. وتضيف: «سأمضي بقية حياتي في الكدّ والعمل وتحمّل المسؤوليات لتحقيق هدف واحد، هو حصول أطفالي على شهادات جامعية».
وتتجرّع النساء الأرامل في غزة مرارة الحرب بقسوة، ويخاطرن بحياتهن في سبيل إطعام أطفالهن، وسط ندرة الغذاء والوقود والأدوية والمياه، حتى أضحت الأسر التي تعيلها نساء، تكافح من أجل البقاء. ووفقاً لتقرير نشرته «هيئة الأمم المتحدة للمرأة»، في نيسان الماضي، فإن «أكثر من 10 آلاف امرأة استشهدن في غزة، والناجيات من القصف والعمليات البرية الإسرائيلية تشرَّدن وأصبحن أرامل ويواجهن المجاعة، ما يجعل الحرب على غزة أيضاً حرباً على النساء». وبحسب أحدث الإحصاءات المحلّية، وصل عدد الشهداء من النساء إلى نحو 12 ألفاً، من أصل 41 ألف شهيد، 70% منهم من النساء والأطفال، فيما حوّلت الحرب نحو 5000 امرأة إلى أرامل، وألقت على كاهلهن مسؤوليات توفير احتياجات أطفالهن الأساسية من مأكل وملبس ومسكن، في مراكز وتجمّعات إيواء النازحين، حيث يكدن لا يجدن متّسعاً لهن.
ولأجل إيواء الأرامل وأطفالهن الأيتام من التشرّد، تم تأسيس مخيم مخصّص لهن في مواصي خانيونس جنوبي قطاع غزة، ضمن سلسلة مبادرات خيرية. ويتكوّن المخيم الذي أطلق عليه اسم «البركة»، من 50 معرشاً، بينها ساحات فارغة مخصّصة للأطفال وتستخدمها الأمهات في غسل الملابس وخبز الخبيز. ويقول مدير المخيم، محمود كلخ، لـ«الأخبار»، إن «المخيم يحتضن 70 عائلة تعيلها نساء أرامل»، مشيراً إلى أن الفكرة جاءت بعدما تقدّمت عشرات الأرامل بمناشدات لتوفير خيام أو مأوى لهن في ظلّ ارتفاع تكاليف شراء الخيام، وازدحام تجمعات الإيواء بالنازحين. ويوضح كلخ أن المخيم يوفّر الإيواء بشكل أساسي، إضافة إلى وجبات الطعام والمياه الصالحة للشرب ومياه الاستخدامات الأخرى، فضلاً عن كهرباء محدودة لشحن الهواتف وبطاريات الإضاءة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى