استنفار وترحيب واسع في إقليم الخروب بالعائلات النازحة من الجنوب ودعوات من رؤساء بلديات إلى التضامن وتقاضي بدلات إيجار مقبولة وعدم الاستغلال
بيروت ـ أحمد منصور
كشفت الاعتداءات الإسرائيلية على القرى والبلدات الجنوبية، مدى عمق التلاحم اللبناني بين أبنائه، بمختلف مذاهبهم وطوائفهم وانتماءاتهم المتنوعة بوجه هذا العدوان، من الجنوب إلى الشمال مرورا بالجبل وصولا إلى البقاع والعاصمة بيروت.
لسان حال الجميع واحد، في التعبير عن رفض الحرب الإسرائيلية، والتضامن مع إخوانهم في الجنوب، والوقوف إلى جانبهم صفا واحدا في مواجهة «التنين الإسرائيلي»، الذي لا يفرق بين لبناني وآخر، والترحيب بالجنوبيين «الضيوف» في مناطقهم بين اهلهم على طول الأراضي اللبنانية.
تزايد وتيرة تلك الاعتداءات على القرى الجنوبية، وما تخلفه من دمار هائل، دفع بالعديد من أهالي الجنوب إلى ترك منازلهم والنزوح إلى أماكن أكثر أمانا، فكان لمنطقة الشوف الأوسط والساحلي، والتي تعرف بإقليم الخروب، كونها على تماس مباشر مع الجنوب، إحدى وجهة العائلات النازحة من الجنوب، لارتباطها بعلاقات قربى او مصاهرات من جهة، ومن جهة أخرى كأصدقاء وضيوف مرحب بهم، حيث يبدي أبناء المنطقة، ترحيبهم المطلق «بأهلنا وإخوتنا في الجنوب»، انطلاقا من المثل الشعبي القائل: «بيت الضيق بيساع ألف صديق».
وعلى رغم تعقيدات الأوضاع السياسية والانقسامات الحادة، وهشاشة وصعوبات الأوضاع الاقتصادية والمالية، استنفر إقليم الخروب بمعظم بلدياته واحزابه وجمعياته، وتم تشكيل خلية أزمة لمواجهة الاوضاع المحتملة للحرب.
ويصر أبناء الإقليم وفعالياته كافة، على تأمين الأرضية اللازمة للعائلات النازحة من مختلف الجوانب الخدماتية والمعيشية، بغية التخفيف من معاناتهم وآلامهم.
واستكمالا لهذه الخطوات، كان التشديد على منع أي استغلال لإيجارات الشقق السكنية، علما أن قسما كبيرا من العائلات التي قصدت المنطقة، تقيم في ضيافة أقاربها.
وفي إحصاء أولي، أصبح في إقليم الخروب ما يزيد على 300 عائلة نازحة من الجنوب، وهم يقيمون اما في منازل مستأجرة، واما لدى عائلات مضيفة.
وبحسب الواقع وتسارع الاحداث، فإن هذا العدد مرشح للازدياد، علما ان غالبية النازحين يجمعون على ان خروجهم من منازلهم كان قسريا بسبب عدم الأمان والمخاوف من تمدد الحرب.
والسؤال الذي يطرح نفسه في حال توسعت الحرب: هل الاقليم قادر على استيعاب الكم الكبير من النازحين، وما مدى جاهزية البلديات وإمكاناتها لتأمين مستلزماتهم، والحد الأدنى من العيش الكريم؟
جملة من الاسئلة طرحتها «الأنباء» على بعض رؤساء البلديات الذين بدأوا باستقبال أبناء الجنوب في قراهم.
وأشار رئيس بلدية جدرا المونسنيور جوزف القزي لـ «الأنباء» إلى «وجود نحو 75 عائلة نازحة من الجنوب في البلدة»، مؤكدا «حرص البلدية الكبير على عدم استغلال الأوضاع والظروف والتشدد بإيجارات الشقق السكنية ضمن الأصول والواقع، مع الأخذ بالاعتبار جميع الظروف».
وأضاف: «شكلنا خلية أزمة في البلدة خلال النزوح الأول، وقمنا اليوم بتفعيلها لمتابعة نزوح أهلنا من الجنوب. وهذه الخلية تنسق مع خلية الأزمة المركزية في إقليم الخروب لإيواء العائلات النازحة في شقق سكنية، بالتنسيق مع المرجعيات السياسية والحزبية كافة».
وأكد المونسنيور القزي «أننا جسم واحد في الجنوب والشمال والبقاع والجبل، انطلاقا من التضامن الوطني، لاسيما ان جدرا استهدفت منذ نحو خمسة أشهر باعتداء نفذته مسيرة إسرائيلية على احدى السيارات في البلدة، وأدت إلى سقوط شهيدين، لذا نتضامن مع أهلنا في الجنوب تضامنا انسانيا ووطنيا على المستويات كافة. فعدونا واحد، العدو الإسرائيلي الذي يعتدي على أهلنا ويهجرهم من قراهم».
ولفت إلى «ان البلديات ترزح تحت اعباء كبيرة بفعل الأزمة الاقتصادية، ونحن كخلية أزمة مركزية، قمنا الاسبوع الماضي بجولة على وزارات الداخلية والمالية والصحة والهيئة العليا للاغاثة ومحافظ الجبل، حيث طالبنا وزير الداخلية بصرف مستحقات البلديات لتستطيع القيام بقسم من الواجب والخدمات المطلوبة منها».
بدوره، رئيس بلدية داريا م. عبد الناصر سرحال قال: «العائلات التي وصلت من الجنوب إلى البلدة قصدت اقارب لها، وهي تقيم في ضيافتها».
وأشار إلى ان مختار داريا منذر بيه وبعض أهالي داريا يستضيفون عددا من العائلات النازحة من البلدات الحدودية المواجهة.
وأوضح سرحال ان «الوجود السوري بات يطغى على كل شيء، لاسيما الشقق السكنية»، لافتا إلى انه «يتم التنسيق مع خلية الأزمة بالتعاون مع القوى السياسية في المنطقة استعدادا وتحضيرا لأي طارئ».
وفي موضوع الايجارات، قال: «عممنا على أهالي البلدة ضرورة عدم استغلال أهلنا الجنوبين، والتعامل مع أهلنا من منطلق انساني»، مؤكدا «ان ما يصيبهم يصيبنا، خصوصا في هذه الظروف الصعبة، فنحن في حالة طوارئ كبلدية ومخاتير وأهالي، والتعامل مع هذا الواقع يتم ضمن الامكانات المتوفرة للبلديات المنهكة ماديا واقتصاديا».
بدوره، أشار رئيس بلدية الجية بالتكليف وسام الحاج إلى «وجود نحو 150 عائلة من أبناء الجنوب قصدت الجية، واستأجرت المنازل والبعض الآخر قصد أقارب له».
وقال: «تتابع البلدية عن كثب موضوع إيجارات المنازل لأهلنا من الجنوب كي لا تستغل من قبل أصحابها»، لافتا إلى «ان الايجارات تتراوح ما بين 250 و350 دولارا أميركيا للشقة الواحدة بفترة تمتد خمسة أشهر، وان غالبية العائلات، هم من القرى الحدودية المواجهة».
وأضاف: «قمنا كبلدية بتفعيل خلية الأزمة استعدادا لكل الاحتمالات»، مؤكدا «انهم أهلنا ونحن بخدمتهم».
ورحب «بالتنسيق والتعاون القائم بين الجمعيات والقوى السياسية في المنطقة للمساعدة والعمل على تأمين المستلزمات المطلوبة لأهلنا».
من جهته، رئيس بلدية برجا العميد حسن سعد، أشار إلى «ان عدد العائلات الجنوبية في برجا بات محدودا، وهي تقيم لدى اقاربها».
وقال:«طالبنا أهالي برجا التعامل مع تلك العائلات كأهل وعدم استغلال اي ظرف»، لافتا إلى «ان وجود تجاوب أهالي البلدة مع طروحات البلدية»، مؤكدا ان تلك العائلات «هم اخوتنا وأهلنا، الذين تركوا منازلهم بشكل مؤقت بسبب الاعتداءات الإسرائيلية».
ولفت إلى ان البلدية «بصدد الدعوة لاجتماع هذا الاسبوع لجميع رؤساء الدوائر في برجا (احياء البلدة) لوضعهم في صورة الاستعدادات والتحضيرات لأي طارئ في حال توسعت رقعة الحرب».
واعتبر سعد «ان المعاناة التي نشكو منها، هي عدم وجود شقق سكنية، بفعل النازحين السوريين، الذين لم يتركوا شقة خالية».
ورحب «بجميع العائلات الجنوبية في برجا الوطنية عبر التاريخ»، مؤكدا «ان الواجب الوطني والقومي والإنساني يفرض علينا ان نكون إلى جانب اخوتنا وأهلنا، ونضع كل الاعتبارات جانبا، فالعدو الإسرائيلي يهدد جميع المواطنين اينما كانوا».
وأعرب عن أسفه «لأن البلديات لا تملك الامكانات لمواجهة هذه الحرب نتيجة الاوضاع الاقتصادية والظروف الصعبة».