خيارات سيادية ملزمة بـ “نكهة سياسية”: فهل تقود الى حرب؟!
تحذيرات من اي خطأ يمكن ان يقود الى حرب مرفوضة من الجميع قبل أن يكتشفوا بانقيادهم إليها بأرجلهم وعقولهم وأسلحتهم. وعليه طرح السؤال عن اي رد موجع ولا يقود إلى اي حرب شاملة؟
الجمهورية – جورج شاهين
الثلاثاء 6 آب 2024
أيا كانت السيناريوهات التي تحاكي الرد على اغتيال كل من اسماعيل هنية وفؤاد شكر التي اكتسبت صفة الرد الملزم “الآتي حتما، أخلاقيا وسياديا”. وهي خيارات تخضع في غرف العمليات السرية لتجارب يراد منها أن تولد رداً عسكرياً وامنياً موجعاً ومحكماً بـ”نكهة سياسية” لا تقود الى حرب شاملة. وفي ظل فقدان اي “ساعة صفر” ستعتمد وجب على المراقبين انتظار مهلة شبيهة لتلك التي شكلت رداً على قصف القنصلية الايرانية في دمشق والتي لم تعبر بعد. وعليه ما هو المتوقع؟
منذ فجر الأربعاء في 31 تموز الماضي تتوالى التسريبات التي تتحدث عن الرد المحتمل لــ”محور الممانعة” على عمليتي حارة حريك التي أودت بحياة القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر وطهران التي استهدفت رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية من دون ان ترسو على بر محدد. فكل ما هو واضح ان الرد آت وبكل المعايير التي تحدث عنها قادة “محور المقاومة” وعبر عنها مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية علي خامنئي بعد ساعات على الحادث في اجتماع مجلس الأمن القومي الايراني، ومن بعده المسؤولون الايرانيون الكبار وقادة الحرس الثوري الذي كان يستضيف هنية في أحد منتجعاته عند اغتياله، الى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في اطلالته وما حملته من قرار بـ”الرد الحتمي” الذي لا نقاش فيه. وهو ما شكل جواباً حاسما على كل الدعوات التي حاولت إعطاء الرد توصيفا شكليا بحيث لا يقود الى “حرب شاملة” كما تسرب من اوساط من رفضته في “محور الممانعة”. مع التأكيد أنه لا يريدها لا هو ولا الوسطاء على مختلف هوياتهم ومواقعهم وأدوارهم. وهو ما قاد في شكل حتمي الى ابقاء رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو وحيداً على لائحة الساعين الى مثيلاتها من الحروب وجر حلفائه والخصوم الى أتونها. والتي إن وقعت يمكن تأريخ لحظة بدايتها ولا يمكن التكهن بما يمكن أن يرافقها وما تنتهي إليه.
عند هذه المعادلة تتوقف معظم القراءات التي تتناول المواعيد التقديرية لهذا الاستحقاق الكبير على وقع أكبر “حرب نفسية” تخاض بكل الوسائل الممكنة وقد سخرت لها مواقع رسمية اعلامية وثورية ايرانية واخرى من “محور الممانعة” واجريت لها الأفلام القصيرة عبر مختلف وسائط الإعلام والتواصل الاجتماعي وما يمكن أن تستخدم فيها من اسلحة تقليدية وغير تقليدية. هذا بالاضافة الى ما تناولته معظم مراكز الدراسات ووسائل الاعلام الأميركية والدولية التي نقلت عن المسؤولين الاميركيين الكبار بعضا من هذه المواعيد وكان آخرها ما نقله امس الأحد موقع “أكسيوس” عن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي أبلغ الاحد الى نظرائه في مجموعة السبع الكبرى في لقاء عقد عبر تقنية “زووم” لمناقشة ما سمي “الحاجة الملحة الى تهدئة التوتر في الشرق الأوسط”، أن إيران و”حزب الله” قد يبدأن مهاجمة إسرائيل امس الإثنين. ولما نسب الموقع مصدر معلوماته الى ثلاثة ممن اطلعوا على مضمون هذه الرسالة الاميركية، قال: “إن بلينكن كان مترددا لجهة شكل الرد الذي ستقوم به إيران أو حزب الله ضد إسرائيل. وإنه لا يعلم بـالتوقيت الدقيق للهجمات عليها”. لكنه لفت الى “أنها قد تبدأ خلال الـ 24 إلى 48 ساعة المقبلة، أي في وقت مبكر من يوم أمس الإثنين” وهو ما لم يحصل بعد.
وعليه، لم يعد مهما التكهن بموعد الرد بمقدار ما بات ضروريا ترقب ما سيكون عليه في توقيته وشكله. فالخيارات محدودة بين قائل إنها منفردة تقوم بها كل قوة بمفردها، او ربما تترجم ما قالت به نظرية “وحدة الساحات” بحيث ستشارك في الضربة القوى المنخرطة فيها جميعها. وهي باستثناء سوريا التي أخرجت نفسها من هذه التركيبة التي جمعت كلا من ايران، العراق وحزب الله واليمن والتي تبادلت في ما بينها الاتهامات ولو في السر بتفرد “حماس” بعملية “طوفان الاقصى” وتبرأ الجميع منها، على رغم من فتح بعض جبهات “الإلهاء والإسناد” لها من جنوب لبنان واليمن والعراق. وان انضمت ايران لاحقا ليل 13 – 14 نيسان الماضي إلى الحملة الجامعة، فلأنها استهدفت فريقا كبيرا من مستشاريها في قنصليتها في دمشق وليس من باب الدعم لـ “حماس” والمقاومة الفلسطينية.
والى هذه الملاحظات التي يجب أخذها في الأعتبار، لا يمكن تجاهل ما قد تقود اليه ردات الفعل على اي عملية لـ “محور الممانعة” إن خرجت عن المواصفات التي طلبتها واشنطن بحيث تستثني المواقع السكنية والصناعات الاسرائيلية والمنشآت الحيوية والنووية منها خصوصا تجنبا لإصابة اي مدني ، وكل ذلك من اجل عدم الوصول الى مرحلة “الحرب الشاملة”. وهو أمر لا يمكن مقاربته في اي لحظة تسبق العملية في حد ذاتها. كما بالنسبة إلى ما يمكن ان تنتهي إليه وما تستجره الردود المنتظرة سواء كانت بنحو منفرد او جماعيا وفي دفعة واحدة من مختلف الساحات المنخرطة في المواجهة، من برامج الدعم الدولية لاسرائيل على رغم من مجموعة الانتقادات “القاسية” وخصوصا الاميركية منها التي نالها رئيس حكومتها عندما قصد اغتيال هنية في طهران، ليس بصفته الحزبية فحسب، إنما من موقعه كرئيس للوفد الفلسطيني المفاوض الذي يجول على العالم ولا يزال يحتفظ بخطوط التواصل مع قادة الداخل الفلسطيني والتي تضمن له نقل المواقف الواضحة والنهائية والتي بني عليها كثير مما تحقق حتى اليوم على طريق المفاوضات.
على هذه الخلفيات، وما يمكن ان تقود اليه من شكوك في تقدير الموقف بعيدا عن الحرب النفسية الجارية منذ اللحظة الأولى للعمليتين الإسرائيليتين، فهي تهديدات ترتب مسبقا على “محور الممانعة” مسؤولية كبرى إن لم يحقق الرد المنتظر شيئآ من مضمونه الكبير والخطير، وما حملته هذه التحذيرات من رسائل مباشرة تحدثت عن خيارات عسكرية وحربية صعبة لتكون كما اريد منها “قاسية” و”مفاجئة” و”موجعة” للعدو الاسرائيلي في تكرار لتلك المواصفات التي وصفت بها عمليتا الاغتيال قبل تنفيذها الأسبوع الماضي في الضاحية الجنوبية لبيروت وطهران.
وبناء على كل ما تقدم، يبدو للمراقبين والمتابعين لأدق التفاصيل، انه لا يكفي القول ان المنطقة تغلي لمجرد أنها باتت تقف على صفيح ساخن، ذلك ان كل الخيارات واردة في ظل ما هو موجود من خروقات تجسسية، وليس اوان التكهن بما تحمله الساعات المقبلة إن لم تتجاوز الاحداث تاريخ كتابة هذه السطور حتى نشرها. فان هناك من ينصح الطرفين ولا سيما “محور الممانعة” ومن داخل صفوفه، بأن من وصل في اغتيالاته الى المواقع الرفيعة على المستويين العسكري والسياسي قد يتجاوز كل “الخطوط الحمر” في اي لحظة، وعندها لن يكون هناك اي معنى لصدق الاوصاف الممنوحة لنتنياهو وتكون المنطقة على أبواب “حرب شاملة” يخشاها الجميع ولم يتداركوا امكان جرهم اليها بارجلهم وعقولهم واسلحتهم.