محليات

لقاء معراب ما له وما عليه

بقلم عارف العبد

شكل اللقاء، الذي دعت إليه ونظمته القوات اللبنانية، في مقرها العام في معراب، يوم السبت في 27 من الشهر الماضي، محور اهتمام ونقاش الكثير من الأطراف السياسية والإعلامية لأكثر من سبب. أولاً، لما حمله وطرحه من عناوين، كما لأنه الاجتماع الأول الذي تم بعد فترة طويلة من غياب ما يعرف بالقوى المعارضة لحزب الله، والتي كانت منضوية بأغلبها تحت يافطة قوى 14 آذار.

الاجتماع كما هو معروف، لم ينجح في جمع كل الأطراف المعارضة أو المعترضة على سياسة حزب الله. وبرزت خلاله، وبعده وقبله، مواقف أطراف وشخصيات تحفظت واعتذرت ولم تشارك في الاجتماع، وسط استمرار في الجدل والردود والتوضيحات، فاقت ما كتب وأعلن في هذا الاجتماع نفسه. ما يؤكد حقيقة الضعف والارتباك الحاصل بين القوى الحليفة السابقة.

هذا من دون أن ننسى الهجوم الشامل لوسائل إعلام وشخصيات موالية لحزب الله، على القوات والاجتماع، قبل أن ينعقد وبمجرد الدعوة إليه، عبر إطلاق صيحات واتهامات التخوين والتبخيس، كالعادة تجاه أية وجهة نظر معارضة أو معترضة.

والمحصلة، أنه مع أهمية الاجتماع والإيجابيات التي حملها، يحتم إعادة تفكير ودراسة متمهلة إذا ما كان الهدف تطويره، وإذا ما أرادت شخصيات المعارضة الاستمرار مستقبلاً، للحد من نفوذ وانتشار حزب الله وسيطرته. إذ انها كانت بغنى عن هذه الشوشرة المملة في هذه اللحظة السياسية الدقيقة.

ما الذي جرى؟

المعروف أن القوات اللبنانية، مدفوعة بالأجواء السياسية والإعلامية والعاطفية المشحونة، التي خلفتها جريمة الاغتيال البشعة لمنسقها في جبيل باسكال سليمان، وككل الأحزاب الشغّالة على خط التجييش والاستقطاب، ظنت واعتقدت أنها اللحظة السياسية المناسبة، لكي تضيف إلى حسابها الذي حصّل كماً من الاستعطاف الشعبي والسياسي، نتيجة جريمة الاغتيال وما تبعها من استقطاب إضافي في مواجهة القوى الأخرى المنافسة في البيئة المسيحية. فسارعت إلى الدعوة لاجتماع في مقرها العام في معراب تحت عنوان المطالبة بتنفيذ القرار 1701.

عملياً، إن موضوع تطبيق القرار الدولي، يشغل الآن كل البلاد من جنوبها إلى شمالها، إضافة إلى القوى المعارضة والمنزعجة والقلقة من انخراط حزب الله في حرب المشاغلة مع إسرائيل، من دون استشارة أحد من اللبنانيين، غير الموافقين على هذه المشاغلة الخطرة على لبنان، من كل النواحي والأوجه.

في الواقع، فإن القوات اللبنانية، اختارت من الناحية السياسية والحزبية لحظة حرجة ومناسبة، حسب اعتقادها، لطرح وإثارة الموضوع. خصوصاً وأن لبنان يقف على شفير مرحلة بالغة الخطورة والحساسية، والتي يمكن أن تودي به إلى دمار لا قيامة منه، إذا ما توسعت الحرب. خصوصاً أن بنيامين نتنياهو يتحين الفرص لتوسيع الحرب، لتشمل لبنان، لتكبير حجره والهروب من المحاسبة الداخلية.

انطلاقاً من هذه الخلفيات، كانت دعوة القوات في توقيت مناسب جداً، من الناحية السياسية والإعلامية، نسبة لتفكير الأحزاب الاستغلالي والانتهازي لجمع المناصرين والأصوات المؤيدة. وهي مسألة مشروعة وجائزة في العمل السياسي لدى أي طرف عامل على الساحة المفتوحة مثل لبنان.

لكن الذي جرى، وهنا الثغرة الأولى، أن القوات التي تنتقد حزب الله لتفرده في قرار حرب الجنوب والقرارات الوطنية الأخرى، تصرفت مثل حزب الله تماماً، فدعت إلى هذا الاجتماع المهرجان، وقررت فيه وبأبعاده وعنوانه، ووجهت الدعوات لكل الأطراف والشخصيات من دون أن تناقش أحداً فيه أو تستشير أي حليف من الحلفاء لها قبل تعميم الدعوة. فوقعت من دون أن تدري أو تنتبه في مثل أعمال وتصرفات حزب الله الذي تنتقده وتعارض تصرفاته!

لكن لماذا لم يكن الاجتماع شاملاً وناجحاً كما طمحت القوات؟ وأسفر عن اعتذار قوى وشخصيات عديدة؟ وتسبب ببعض الانطباعات السلبية لدى بعض الحلفاء والمقربين. وقد يترك آثاره للمستقبل وتأثيره على القوى التي تقول بالمعارضة لسياسة حزب الله في مواجهة نفوذه المتعاظم!

اعتبر كثر، ممن تلقوا الدعوة للاجتماع، انهم تلقوها من دون تشاور أو تنسيق مسبق. فالعادة جرت في مثل هكذا اجتماعات أن تتولى لجنة من الطرف الداعي الاتصال بالأطراف المدعوة لعرض الفكرة عليها، أو مشروع البيان للتوافق والنقاش المسبق قبل الاجتماع.

الذي حصل، أن الوسائل التي أرسلت عبرها الدعوات لم تكن وسائل مناسبة لهكذا مناسبات أو اجتماعات أو دعوات مماثلة. فشكلت الوسائل المستعملة لإرسال الدعوات رسالة غير مقبولة أو مستحبة لدى كثر ممن وصلتهم.

كما أن كثراً، عادوا بالذاكرة إلى اجتماعات المعارضة السابقة، والتي كانت تلتقي في مكان وسط، فما من طرف في هذه الحال، كان يذهب إلى طرف آخر. بل أن الجميع كانوا يلتقون في مكان وسط يتفق عليه، كمثل فندق البريستول سابقاً. فيكون الذهاب من الجميع نحو الفكرة الجامعة وليس نحو طرف جامع متفرد منفرد، بجمعه أو إمساكه بالمقود.
بطبيعة الحال، فإن الأوضاع الأمنية الحساسة المحيطة برئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، قد لعبت دوراً في تحديد مكان الاجتماع. لكن لو أراد المنظمون التمهل في التعاطي والتصرف، لأمكن تجاوز هذه الثغرة والتعاطي معها بروية أكثر، والإحاطة بما هو مطلوب أمنياً لتأمينه وإراحة الجميع.

المسألة الثانية، التي ساهمت في النتائج السلبية، أن الموضوع المطروح لم ينُظر إليه من قبل كثر أنه موضوع مناسب للنقاش الآن. خصوصاً أن القوات أطلقت أكثر من موقف قبل الدعوة لهذا الاجتماع، ألمحت عبره إلى قرب اعتمادها المطالبة بـ”حل الدولتين”، كما تردد أكثر من مرة على لسان مسؤولين فيها. مما أخاف الشخصيات المدعوة من خلفيات الاجتماع، ومن أن يكون تمهيداً للاستحصال على شرعية طرح سياسي غير مناسب يقترب من الابتعاد عن الصيغة المُجمع عليها في البلاد، أي الابتعاد عن اتفاق الطائف والدستور الحالي وصيغة الحكم المعتمدة الآن.

كما أن البيان، المعد والصادر عن الاجتماع، كما تبين، لم يشر أية إشارة إلى إجرام إسرائيل ونواياها العدوانية تجاه لبنان.

وحسب المعلومات التي باتت متداولة، فإن معراب لم تبد استعداداً لمناقشة ملاحظات بعض المدعوين المعترضين قبل الاجتماع. ولهذا، فإن القوات اللبنانية التي تقدمت في هذه الدعوة والمبادرة خطوة إلى الأمام، عادت وتراجعت خطوة إلى الوراء.

أضف إلى ظهور كلام متحفظ جداً من تصرف ومواقف القوات من الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وهي كانت بغنى عن التسبب بإظهاره الآن.

وسط هذه الأجواء، يبقى السؤال، هل سيبقى حزب الله متفرداً في القرارات الوطنية الكبرى ومتحكما بها؟ وهل هناك احتمال تعديل في الموازين الراهنة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى