إسرائيل تسعى إلى تهجير الأهالي بالقضاء على مقومات الحياة وفرض «الأرض المحروقة»
تواجه القرى الحدودية اللبنانية مع فلسطين المحتلة العدوان والقصف الإسرائيلي الذي تتعرض له يوميا، كما تقول الأمثال «باللحم الحي»، لعدم توافر الملاجئ والحماية، وتستهدف الطائرات الحربية الإسرائيلية ومسيراتها ومدفعيتها، المنازل والأحياء السكنية، وكل مقومات الحياة في شكل متواصل، وتلاحق كل تحرك على تخوم تلك القرى المقابلة للمواقع الإسرائيلية، لفرض أمر واقع جديد، في محاولة لزرع الرعب والخوف في نفوس الأهالي، ودفعهم إلى ترك قراهم وأرضهم.
ولم يعد سرا أن الهدف تحويل المنطقة إلى أرض محروقة مكشوفة للجيش الإسرائيلي، تحت شعار منع هجمات «المقاومة» اللبنانية.
ازاء الدمار الهائل للحرب، وضخامة الغارات وحجم الأضرار والتضحيات، يجمع الجنوبيون على التمسك بخيار الصمود والمواجهة مهما كانت التحديات، وإن بالإمكانات المتواضعة. في حين وضعت بتصرف إسرائيل أحدث التقنيات والتكنولوجيا، فتمكنت من السيطرة على شبكات الهواتف الخليوية ومحاطات الإنترنت، إلى جانب امتلاكها أسرابا من الطائرات المسيرة العاملة في الأجواء اللبنانية على مدار الساعة، للتجسس والتصوير والاستطلاع وعمليات الرصد، وقد تحولت عنصرا أساسيا في مسار الاستهداف الاسرائيلي، لتنفيذ عمليات الاغتيالات لقادة المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
تمتد الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة من بلدة الناقورة ساحلا، مرورا بقرى وبلدات: علما الشعب وطيرحرفا والضهيرة ويارين والجبين وأم التوت ومروحين (قضاء صور)، إلى بلدات: راميا وعيتا الشعب ورميش ويارون ومارون الراس وعيترون صعودا (قضاء بنت جبيل)، وبليدا ومحيبيب وميس الجبل وحولا ومركبا وعديسة وكفركلا ودير ميماس وبرج الملوك وسردة والوزاني والخيام (قضاء مرجعيون)، إلى المجيدية ورمتا وكفرشوبا والهبارية وشبعا (قضاء حاصبيا).
الناقورة البلدة المميزة على ساحل الجنوب، التي تحتضن المقر الرئيسي للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، هي آخر بلدة لبنانية حدودية لجهة البحر مع فلسطين، ويبلغ تعداد سكانها أكثر من 4000 نسمة.
وأكد رئيس بلديتها عباس عواضة في تصريح لـ «الأنباء» ان محاولة «إسرائيل فرض توازن رعب على الحدود، من خلال تدمير وتكثيف الغارات على المنازل والأحياء السكنية، بغية تهجير الناس، فالدمار الممنهج والشامل أصاب 20 منزلا، فيما التدمير الجزئي والتصدع لحق أكثر من 70 وحدة سكنية، بالإضافة إلى أضرار لا تحصى في المزروعات والمحلات والمتاجر والمؤسسات».
وأشار عواضة إلى تراجع نسبة الأهالي المتواجدين حاليا في البلدة إلى 20%، بعد ان كان بنسبة 50%. وعزا الأمر «إلى المجزرة الاسرائيلية الأخيرة، بعد غارة على البلدة، منذ حوالي الاسبوعين. اليوم ليس هناك سوى 30 عائلة في الناقورة، وأفرادها من كبار السن».
وأضاف «كنا نعتقد ان بلدتنا، هي في منأى عن الاستهداف الإسرائيلي، لوجود المقر العام لـ «اليونيفيل». إلا أن العدو الإسرائيلي، لم يوفر او يقيم لهذا الموقع وزنا، لا بل استهدف مراكز عدة للقوات الدولية».
وأشار عواضة إلى «ان المواقع العسكرية الإسرائيلية المقابلة للبلدة وللقرى الحدودية اللبنانية، هي مصدر الخطر الدائم نتيجة القصف المدفعي والتمشيط بالأسلحة الرشاشة، وخط نار بيننا 3 كيلومترات، ومنها موقع جل العلام وموقع رأس الناقورة المقابلين للبلدة».
وتوقف عند حجم القصف والغارات الإسرائيلية الجارية، فأشار إلى «ان المنطقة لم تشهد مثل هذه الحرب التدميرية وليست الدفاعية كما تدعي إسرائيل، وأكد «وجود خسائر كبيرة في الزراعة في بساتين الليمون والموز. وتركت المواسم على حالها لعدم تمكن اصحابها من الوصول اليها بفعل الاعتداءات الاسرائيلية، ومسيرات العدو التي تحلق في الاجواء على مدار الساعة، وتصطاد كل شخص او سيارة على الاطراف المقابلة للحدود. يمكننا التنقل في الشارع العام، ولكن في المناطق المقابلة لا يمكننا الوصول اليها او التحرك فيها»، وشبه البلدة في الليل بـ «مدينة الأشباح».
وشدد عواضة على تمسك الأهالي بأرضهم، وأشار إلى انه في إحدى جولاته على الأهالي الصامدين في البلدة، طلب منهم الانتقال إلى بلدات أخرى أكثر أمنا، فكان الرد الإصرار على البقاء رغم كل المخاطر.
وختم قائلا «نحن أبناء وأصحاب هذه الأرض، بينما هم هم محتلين، وسنبذل كل ما أوتينا للحفاظ على أرضنا وبلدنا، والدفاع عنها، بوجه الآلة العسكرية الإسرائيلية».
الوضع لم يختلف في جارة الناقورة، بلدة طيرحرفا، التي نسمع يوميا عن استهدافها بالغارات الإسرائيلية. وأكد رئيس البلدية قاسم حيدر لـ «الأنباء» أنه مع البدايات الأولى للعدوان «تم استهدف البنى التحتية في البلدة، ولاسيما المصدر الحيوي للمياه، فأغارت الطائرات الإسرائيلية على مشروع الطاقة الشمسية الخاصة ببئر المياه، وبعدها استهدفت محطات الكهرباء وعين (نبع) البلدة القديمة، بعد أن كانت البلدة في العام 2023 صفر مشاكل بالمياه، وها هي اليوم بلا مياه، فالإسرائيلي يريد أرضنا ومياهنا، وقد نشأ على سياسة التدمير والقتل والتهجير».
وأوضح حيدر «أن عدد سكان البلدة بين مغترب ومقيم يتجاوز 5000 نسمة، ويوجد فيها 455 وحدة سكنية، وان نسبة السكن في البلدة في ظل الهجرة تجاه المدينة، ما يقارب 2000 نسمة يعيشون فيها، واليوم نتيجة العدوان نزح الجميع إلى صور ومنطقتها ومنهم من توجه إلى بيروت. تعاني بلديتنا الكثير، إذ لا تتجاوز ميزانيتها السنوية 2000 دولار».
وسرد حيدر تفاصيل الحياة اليومية في البلدة، وقال «ان الغارات والقصف المدفعي، أديا إلى تدمير 50 منزلا وتضرر اكثر من 100 آخرين، وباتوا لا يصلحون للسكن، وان غالبية المنازل تعرضت للقذائف المباشرة من الدبابات الإسرائيلية في المواقع العسكرية المقابلة. الأضرار كبيرة ولحقت بجميع المواطنين، الذين كانوا نفذوا مشاريع الطاقة الشمسية على أسطح منازلهم، وهي اليوم تعطلت بفعل القصف والرشقات النارية التي تتعرض لها»، معتبرا «ان هدف الإسرائيلي هو التخريب والدمار وتهجير الناس، والحؤول دون عودتهم، لتكون هذه المنطقة خالية من السكان».
ويعدد عواضة المواقع الإسرائيلية المقابلة للبلدة، وهي الجرداح وحدب الضهيرة وبركة ريشا وعلما الشعب «نبعد عن الحدود الفلسطينية وتلك المواقع كخط نار ميسافة ثلاثة كيلومترات. وتطلق إسرائيل نيرانها على البلدة في شكل متواصل».
وأمل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار «وتتوقف المجازر في غزة والاعتداءات على الجنوب ولبنان».
وشدد انه «على رغم كل التضحيات لن نترك ارضنا ولا يمكن ان نتخلى عنها مهما بلغت الاعتداءات، ونحن في صدد اعداد خطة لإعادة تشغيل مشروع المياه ونتواصل مع القوات الدولية ومجلس الجنوب وجمعيات غير حكومية. وفور اعلان وقف اطلاق النار سنقوم بورشة عمل وإعادة اعمار وتأمين مقومات الصمود لأهالي البلدة».
رئيس بلدية الجبين محسن عقيل أشار إلى «ان البلدة خالية كليا من سكانها الذين نزحوا، لأنها عرضة دائمة للاعتداء والقصف».
وقال «دمر العدو 13 منزلا بالغارات، وسقط ثلاثة ضحايا من ابناء ألبلدة، بالاضافة إلى ثلاثة صحافيين في 21 نوفمبر الماضي في البلدة بالقرب من منزلي، عندما استهدفتهم طائرة إسرائيلية أثناء قيامهم بتغطية الأحداث، وهم الصحافية فرح عمر والمصور ربيع المعماري (قناة الميادين) ومرافقهما الشاب حسين عقيل».
وذكر انه نزح عن البلدة بعد اصابة منزله وتدميره، لافتا إلى ان الاستهداف يتم للمنازل والبنى التحية وجميع مقومات الحياة بهدف تهجير السكان وفرض سياسة الارض المحروقة، وقال «منذ ولادتنا وحتى الساعة نتعرض للعدوان الإسرائيلي، ولكن نحمد الله، أن ارسل لنا رجال المقاومة ليدافعوا عن الجنوب وعن لبنان، ونتمنى ان تنتهي الحرب وتكون خاتمة للجراح. قدمنا كل ما نملك في سبيل الوطن والقضية العربية، وان شاء الله ننتصر على العدوان. في البلدة حوالي 4000 نسمة، وتمتاز بزراعة التبغ والحنطة، وهي مواجهة للحدود وموقعي الجرداح وبركة ريشا، وتبعدان حوالي كيلومتر ونصف الكيلومتر عن البلدة، ويصبون حمم نيرانهم عليها يوميا».
وأكد عقيل «ان الحرب هذه المرة لم تكن كسابقاتها، فهي قوية وكبيرة الحجم، خلافا لعدوان يوليو 2006. لكننا لن نستسلم وسندافع عن وطننا وأرضنا وعن هويتنا وتاريخنا ولو اجتمع العالم ضدنا. نحن أصحاب حق».