بين بيت السنيورة وبيت الفرفور والذنب المغفور
عارف العبد
تقول كلمات الاغنية الشهيرة للعبقري الراحل فليمون وهبي :
” هيدا من بيت الفرفور
يا عالم ذنبو مغفور
لو قال النحلة دبور
ماتقلّو الا très bien”.
قبل أيام كتب الزميل أنطوان سلامة على منصة ” (ليبانون تابلويد) مقالة تحت عنوان : “ما الذي تغيّر بين صورتي هوكشتاين- بري ورايس- السنيورة؟” وكتب سلامة يقول : “رفعت زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين درجات الحرارة بينه وبين الرئيس نبيه بري فوصف هوكشتاين رئيس مجلس النواب وقائد حركة أمل بـ ” The Boss” قبل أن يصافحه أمام المصورين.
هذا الودّ الظاهر بين الشخصيتين لم يظهر أبدا في اللقاءات التي جمعت رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة بوزيرة الخارجية السابقة كوندوليسا رايس خلال حرب تموز والتي انتهت بحملة تشهير وتخوين بالرئيس السنيورة .
الصورة التذكارية التي جمعت الرئيس بري مع هوكشتاين لم تتم لولا قول الموفد الأميركي: “.The Boss… he decides… “.
ربما تفرض الصورة مسارا ديبلوماسيا بين الرجلين مع اختلاف في هوية الموفد الأميركي المتحدّر من عائلة “صهيونية” في حين أن رايس من جذور أفريقية.
صحيح أن رايس دعمت حكومة السنيورة لكنّ العلاقة بين الشخصيتين اللبنانية والأميركية لم تصل الى مستوى العلاقة بين بري وهوكشتين برغم الظروف المتقاطعة بين مهمتي رايس في العام 2006 ومهمة هوكشتاين في العام2024.
رايس توسطت لوقف اطلاق النار في الجنوب، وهذا ما يفعله حاليا هوكستين.
أمنُ إسرائيل أولوية في المهمتين بين بيروت وتل أبيب، فما الذي تغيّر في انقلاب المزاج من تخوين رايس- السنيورة الى تسويق ممنهج لصور هوكشتاين- بري.
والصورة التذكارية التي لم يأخذها هوكشتاين الا بأمر من الرئيس بري ورضاه، تأتي في ظروف مشابهة لحرب تموز حيث شنّت إسرائيل حربا عنيفة ضدّ لبنان تخطت بالتأكيد مسار الحرب الحالية في الجنوب والتي تدور في ما يُشبه الاتفاق الضمني بين المتحاربين في ما يُعرف باحترام قواعد الاشتباك، لكن في الحربين يدفع الجنوبيون واللبنانيون ثمنا باهظا”. (انتهى الاقتباس).
ببساطة، ان الفرق واضح وكبير بين الحدثين. يومها كان محور الثامن من اذار في مقلب المعارضة الداخلية للمحكمة الدولية، والمواجهة مع الشيطان الاكبر.
اليوم تبدلت المواقع والمواقف والشعارات والمصالح.
يوم صافح السنيورة رايس على مدخل السراي الكبير، انتشرت صوره في الضاحية الجنوبية وعلى الأبنية لشتمه وتخوينه لانه يصافح الأمريكي، والتنديد بتصرفه وتشويه سمعته ووصفه باشنع الاوصاف السياسية، فيما ساد اليوم صمت وحبور ظاهر وملحوظ، لدى توزيع خبر وصور بري هوكشتاين مع ان الموفد الأمريكي الحالي صهيوني الهوى والانتماء وجندي سابق خدم في الجيش الإسرائيلي.
مع ان الرجلين بري والسنيورة كانا يفاوضان من اجل وقف العدوان لكن المستجد، ان بري سبق السنيورة الى اتفاق اطار تمهيدا لاتفاق موقع بين لبنان ودولة إسرائيل هو الأول من نوعه بعد اتفاق 17 أيار، يعترف فيه لبنان بإسرائيل ويسجل في الأمم المتحدة بتوقيع الرئيس المفدى بي الكل العماد ميشال عون، وسط جدال لن ينتهي اذا ما كان لبنان قد فرّط بحقوقه وارضه بين الالتزام بالخط 23 والخط 29.
ما الذي تغير حتى تبدل الامر وتناسى “الوطنجيون” الاقحاح المواويل والقصائد الوطنية والاوصاف التي نُعت بها السنيورة، والتي اختفت الان وتحولت الى اوصاف تقريظ ومديح بحنكة الرئيس بري ودبلوماسيته المحترفة والعميقة.
لو ان رايس الملعونة قالت للسنيورة آنذاك انت الـ Boss كيف كانت ستكون حالة ووضعية السنيورة في وسائل اعلام قوى محور الثامن من اذار؟
المفارقة ان السنيورة بالرغم من حملة التخوين والتهجم، نجح يومها على رأس حكومته التي نُعتت بحكومة المقاومة السياسة حينا، وبالبتراء في وقت اخر. نجحت في إقرار وإخراج القرار الدولي 1701 باجماع كل القوى السياسية بما فيها حركة امل وحزب الله، وسط الكثير من المزايدات والعنتريات وهو القرار الذي ارسى استقرارا في الجنوب استمر حتى يوم الثامن من تشرين الماضي، لينهار مع طوفان الأقصى ومشاركة حزب الله بحرب المشاغلة على الحدود لتثبيت نظرية وحدة الساحات الإيرانية. فيما السعي الان كل السعي المحلي والعربي والدولي لاعادة تثبيت وتطبيق القرار نفسه المشتوم سابقا، الذي خُون السنيورة بسببه ومن اجله.
والمفارقة الثانية ان كل الخطاب السياسي الذي وقف خلف توجهات ومماحكات ومواقف قوى الثامن من اذار، قام على نظرية رفض انتشار الجيش في الجنوب. واليوم لن يكون هناك مخرج من الازمة الا بإعادة نشر الجيش نفسه بعد حملة تسول من الدول الفاعلة لتسليح وتدعيم وحداته وفرقه وعناصره. وهو الجيش الذي لن يكون هناك مفر من إعادة تسليمه زمام الأمور الأمنية، بعد ان ثبت فشل كل الصيغ والمعادلات الاصطناعية الأخرى .
لقد بنى كثر امجادهم الفارغة سابقا على افشال انتشار الجيش، واليوم لن يكون المخرج الا بانتشار هذا الجيش وبطلب من لبنان كل لبنان وكل العالم.
ومما لا شك فيه، ان رفيق الحريري يضحك من قبره حين تصل الى مسامعه، اخبار ان قوى المقاومة الغراء، تبحث الان في اعادة إرساء المعادلة التي ساهم في تثبيتها وترويجها هو، وعرفت بتفاهم نيسان، كمرحلة انتقالية قبل الشروع بجولة مفاوضات جديدة لترسيم وتثبيت الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.
الاغلبية تذكر بطولات قائد الجيش الاغر و”المكاوم” اميل لحود، كيف هرع الى دمشق مع جنح الظلام للشكوى على رفيق الحريري والياس الهراوي لانهما طلبا منه نشر الجيش على الحدود واتهامهما بالتامر على سوريا والمقاومة، بمجرد ان فكرا بمد سلطة الدولة اللبنانية وجيشها صوب الجنوب.
الراهن ان الموفد الأمريكي الباسم والودود و”الحلسة ملسة”، مع الـ Boss سيعود من اجل إرساء اتفاق اخر من اجل سلامة لبنان، فهل سيقول احد للرئيس بري، الذي سيشرف على الاتفاق القادم بعد الاتفاق البحري الاول، يا محلى الكحل بعينيك، ام سيكون ذنبه الوطني مغفور لانه من بيت الفرفور؟