لا اعتمادات لمصابي الحرب وازمة اموال في الضمان وتعاونية الموظفين
كتبت راجانا حمية في” الاخبار”: قبل أسبوعٍ، بحثت وزارة الصحة مع نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة في التعرفات الجديدة والآلية المفترض أن تعتمدها لمتابعة شؤون جرحى الحرب – فيما لو حصلت – وتغطية كلفة علاجاتهم. وتم التوافق على الإجراءات اللوجستية لتوزّع الجرحى بين المستشفيات واعتماد التعرفة المعمول بها في تعاونية موظفي الدولة (دولار الاستشفاء والفحوص الطبية بـ 75 ألف ليرة، بزيادةٍ 50 ضعفاً عن عام 2021).
كان هذا «القطوع» الأول الذي اجتازته الوزارة، إلا أنه لم يحلّ المشكلة الأساسية المتعلقة بتأمين الاعتمادات لتغطية تكاليف الاستشفاء للجرحى، إذ إن موازنة الوزارة لا تكفي لسدّ الحاجات الاستشفائية الحالية، فضلاً عن تحميلها تكاليف إضافية تتعلق بسيناريو الحرب. لذلك تقرّر العمل على خطين: طلب سلفة خزينة والسعي للحصول على مساعدات خارجية. وبالفعل، أعلن الوزير فراس أبيض، أول من أمس، «حجز» 20 مليون دولار لمواجهة التداعيات الصحية والاستشفائية لأي عدوان إسرائيلي، «مجزّأة بين 11 مليوناً قدّمتها الحكومة اللبنانية للوزارة لتغطية جرحى الحرب وقرض من البنك الدولي لتغطية المستلزمات». عملياً، عنى ذلك أن الوزارة أنهت ما عليها، على الورق، فيما يبقى التحدي الأكبر بتوافر الاعتمادات أمام الحكومة، ومن خلفها وزارة المال ومصرف لبنان، خصوصاً أن التجارب السابقة لا تبشّر بالخير، كما في ملف جرحى انفجار مرفأ بيروت.
لا تنحصر تكاليف الاستشفاء بجرحى الحرب، وإن كانت هذا تأخذ الحيّز الأكبر من الاهتمام. فثمة أيضاً فئة كبيرة من المرضى ممن يُعالجون على نفقة الجهات والصناديق الضامنة (تعاونية موظفي الدولة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والأسلاك العسكرية) ستضاف إلى قائمة الجرحى، خصوصاً الحالات الطارئة منهم. فكيف ستتعامل الجهات الضامنة مع هذه الحالات، وهو ما يستدعي السؤال عما إذا كانت هذه الجهات قد أخذت في الاعتبار مسألة الحرب، أقله من خلال العمل على إعداد خطة طوارئ؟
لم تضع تعاونية موظفي الدولة أي خطة طارئة لأن «عملنا في السنوات الثلاث الماضية كان أشبه ببروفا للحرب»، بحسب المدير العام للتعاونية يحيى خميس، إذ «أعطت التعاونية سلفاً مسبقة لمعظم المستشفيات يمكن أن نستفيد منها خلال الحرب في ما لو حصلت». لكنّ الثغرة الوحيدة التي يمكن أن تغيّر في الحسابات هي «إمكانية قطع الطرقات وعدم قدرة الموظفين والمستفيدين على الوصول إلى المراكز». وهنا، يشير خميس إلى «الخطة ب» التي ترتكز على مبدأين أساسيين: أولهما أن «العمل على تبليغ المستشفيات سيكون عبر الهاتف لضمان دخول المريض المستفيد وتلقّي العلاج، على أن يُعطى هؤلاء موافقة متأخّرة». والثاني «ضرورة أن تتعاطى المستشفيات بمرونة». ففي حالة الحرب «قد لا تتمكن التعاونية من إعطاء أمرٍ بالصرف رغم أنها تملك احتياطياً في حسابها في مصرف لبنان قد يفي بالغرض لثلاثة إلى أربعة أشهر». والسبب أن أوامر الصرف مرهونة بتقديم الكشوفات إلى مصرف لبنان «وهو ما يستحيل عمله في غياب المكننة»، أضف إلى ذلك «من يضمن ما إذا كان مصرف لبنان سيصرف لنا ما نطلبه؟». لذلك، قد يكون أسوأ الخيارات «أن يدفع المستفيدون على أن ندفع لهم لاحقاً. والخوف هنا من استغلال بعض المستشفيات للوضع وتدفيع المواطنين فروقات كبيرة»، ما يستوجب عملاً مضاعفاً في ما بعد لمراقبة الفواتير، ما يعني معركة «تفكيك ألغام».
رغم ذلك، يبدو الحال في تعاونية موظفي الدولة أفضل بما لا يقاس عمّا هو عليه في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي «لا يبدو أنه يعيش في الكوكب نفسه، حيث لا خطة طوارئ وُضعت ولا حتى إجراءات لمواكبة ما قد يحدث»، بحسب مصادر في الضمان. بتعبير آخر: التفليسة مستمرة. وحاولت «الأخبار» التواصل مع المعنيين في صندوق المرض والأمومة، إلا أنها لم توفّق في الحصول على إذن للتواصل معهم. وبغضّ النظر عن أيّ خطة طارئة قد توضع، إلا أن واقع الصندوق المالي ليس ملائماً لخوض حرب، سيّما في ظل العجز في صندوق المرض والأمومة من جهة وضعف مساهمة الصندوق في تغطية نفقات الاستشفاء للمضمونين، والتي لم تتخطّ الـ10% حتى اللحظة.
أمام هذا الواقع، وبما أنه لا يمكن تغيير الواقع بسحر ساحر، تطالب نقابة المستشفيات الخاصة بالعمل على حلولٍ بديلة، منها مثلاً «إعطاء سلف مسبقة للمستشفيات. وهناك سابقة طبّقها وزير الصحة السابق محمد جواد خليفة خلال حرب تموز 2006، أو إعطاء المستشفيات من سقوفها المالية»، باعتبار أن ما تتقاضاه المستشفيات اليوم ينحصر في بدلات جلسات غسيل الكلى فقط، «أما المستحقات الأخرى، فلم نحصل على أي شيء من الوزارة ومن غيرها عن العام الحالي، وهناك جهات ضامنة لم نتقاضَ منها عن العام السابق أيضاً، وحتى السلف الشهرية التي كان الضمان الاجتماعي يعطيها للمستشفيات توقّفت هي الأخرى منذ مطلع العام الحالي»، يقول هارون.
المصدر : لبنان ٢٤