متفرقات

الصحافة اللبنانية تخسر عمر حبنجر

كتب ناصر زيدان في جريدة “الأنباء” الكويتية

غيَّب الموت عميد مراسلي الصحف العربية ومدير مكتب جريدة «الأنباء» في بيروت عمر حبنجر. ولـ«أبو بشار» حكاية مع الصحافة يزيد عمرها على 60 عاما، تنقل خلالها في مواقع مختلفة كمراسل ومحرر وكاتب، يرصد الأخبار ويربط بين أحداثها، ويصنع النبأ بقالب موضوعي وبقلم نظيف شفاف، ليصل إلى القارئ مصقولا بمهنية وطنية وعربية، ليس فيها محاباة ولا انحياز.

أدخل أبو بشار صفاء الصحافة الكويتية ومهنيتها إلى كل بيت لبناني، حيث كانت كل وسائل الإعلام اللبنانية المكتوبة والمرئية والمسموعة تنقل مقالاتها وأخبارها، وتفاعلت معها مواقع التواصل الاجتماعي، لأن محتويات الصحافة الكويتية لا تحمل ضغينة لأحد، وليس لها أجندة تخفي مطامع أو طموحات أو منافع، لأنها تنطلق من خلفية أخوية عربية صافية استنادا إلى ما تتمتع به الكويت، وهدفها تسليط الضوء على أخبار البلد الديموقراطي المعذب لبنان، كما على أخبار الدول العربية الأخرى، انطلاقا من قناعة تحمل رسالة ثقافية وحضارية وإعلامية حملتها الكويت منذ أيام المؤسسين.

عرفنا عمر حبنجر منذ سنوات طويلة، جمع في شخصيته خصالا متعددة، فكان عصاميا مثابرا، وعربيا يحمل همّ الأمة بكل صدق وإخلاص، يبحث عن الحقيقة بين الردهات المتضاربة، وينتقي كلماته قبل أن ينصها على الورق، كنحات الحجر الذي يحفر بالمسامير العريضة منافذ مخارم الإبر الرفيعة لكي تمر منها خيوط الوصل التي تصنع الصورة الجميلة المتكاملة من غير نتوءات ولا نفور.

في اتصالاته التي كان يجريها بحثا عن الخبر، تشعر بلكنته المسؤولة، وبالحرص الشديد على التأكد من صحة المعلومات ودقتها قبل أن يذهب بها إلى التعميم والنشر، لأنه يعتبر أن المسؤولية الوطنية، كما المسؤولية المهنية تفرض عليه عناء التدقيق، حيث لا هدف شخصيا عنده سوى مساندة القضايا المحقة ودفع رسالة الصحافة الحرة التي يجب أن تخدم هذا الهدف.

الصحافة اللبنانية كما الصحافة العربية خسرت بغياب عمر حبنجر قلما حرا بليغا مستقيما فصيحا معبرا واضحا وشفافا، أغنى صفحات «الأنباء» الزاهرة والرصينة، كما صفحات العديد من المنشورات اللبنانية ومدونات وكالات الأنباء المختلفة التي تعاون معها في حياته المهنية المديدة. وخسره زملاؤه في «الأنباء» وفي نقابة المحررين، كونه كان مدافعا نهما عن نبالة المهنة وعن حقوق معشر الصحافيين والمراسلين، لا يتسامح معهم إذا وقعوا في التقصير أو إذا أخفقوا في الأداء، لكنه كان يرفع لواء حقوقهم وكرامتهم إلى العلا على الدوام. وهؤلاء أولوه ثقتهم بالإجماع عندما منحوه حق التحدث باسمهم لفترة طويلة من الزمن كرئيس ل‍جمعية مراسلي الصحف العربية في بيروت.

بيروت كما منطقة الشوف وإقليم الخروب على وجه التحديد، خسروا برحيل «أبو بشار» صفحة غنية بالذخائر الإنسانية والوطنية والثقافية، وقد لعب عمر حبنجر أدوارا متقدمة بين أهله، ورفع راية العروبة والوطنية في مراحل صعبة من تاريخهم الحافل. وما انتخابه رئيسا للقاء الوطني في إقليم الخروب الذي يضم كوكبة من المثقفين والنجباء سوى تجسيد للمكانة العالية التي كان يتمتع بها أبو بشار بين المناضلين والمقاومين لكل أشكال الاحتلال في فلسطين وفي جنوب لبنان وفي الجولان، بينما كان مناصرا للمضطهدين، ومعارضا للعنصرية وللاستغلال، ومخاصما لكل من يسعى إلى التفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

كانت ثقة الأوساط السياسية والحزبية كبيرة بعمر حبنجر وبمناقبيته، وقد حظي باحترام المرجعيات الدينية على اختلافها، لاسيما بثقة دار الإفتاء التي خصته بتكريم لافت في يوم وداعه الكبير، حيث احتشد أبناء الشوف عامة وأبناء إقليم الخروب خاصة، وعائلته وأبناء بلدته، ومعهم كوكبة من النواب والمسؤولين ورجال الإعلام والصحافة.

وداعا يا أبا بشار، عشت كبيرا ورحلت كبيرا. رحمك الله، ولعائلتك التي فجعت بغيابك المفاجئ الصبر والسلوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى