متفرقات

يا رئيس البلدية

الوزير السابق جوزف الهاشم

إنطلقت الإنتخابات البلدية والإختيارية في مراحلها الثلاث بتعطُّشٍ محمومٍ إلى تداول السلطة بعد سنين من التمديد ، وقد يكون التنافس على الزعامةِ أكثر مـمّا هو على الإنمـاء .
المهـمّ ، مَـنْ سيكون الريّس ، ومَـنْ سيكون الديك الذي يتباهى على الآخرين ، والديك صيّـاحٌ حتى على المزابل .
تنتصر الديوك ، فتنطلق الزمامير صيّاحةً حتى الضجيج ، وينطلق معها الرصاص فرحاً بانتصار سيّد العشيرة ، وما هـمَّ أنْ يحزن الآخرون على ضحايا المبتهجين بالرصاص .
كأنْ لا يكفي ما سقط من شهداء وضحايا نتيجة الحروب المتعاقبة على هذه الأرض ، فضاقت فيها كثافة القبور مع كثافة النزوح .
لا تـزال لغـة الرصاص هي الثقافة الرائجة عندنا ، وفي العالم الذي تعَسْكرَ حولنا ، فإذا الحركة اللبنانية تعاني من جَدلِّيـةِ دمجها في ثقافة المحيط الصاخب بالتوتّر الأمني والمذهبي والمترنّح بين الديكتاتورية والنظام البوليسي .
لم تدرك الحضارة والمدنيّة الحديثة أنّ رصاصتين فقط أشعلتا الحرب العالمية الأولى ، سنة 1914 : رصاصتان أطلقهما شابٌ على ولـيّ عهد النمسا وزوجته فأرداهما قتيلين .. قتيلان فقط تسبّبا بقتل الملايين ، ورصاصتان فقط غيَّرتا مسار التاريخ العالمي .
ولا يـزال الرصاص يتحكّم بمسار التاريخ العالمي في القرن الواحد والعشرين، ينطلق عشوائياً ، منكَ إليهِ ، ومنك إليكَ ، وغالباً ما يكون منكَ إليك .
في موازاة ثقافة الرصاص ، لا تزال ثقافة الكيديّة والحزازات الشخصية بالغـةَ الأثـر عندنا في شتّى المجالات السياسية والإنتخابية ، نيابيةً وبلديـةً على السواء .
على سبيل المثال : لا تزال تتناقل الأجيال في محيطنا الجغرافي ذلك النزاع على مختارية بلدة “داريـا” في إقليم الخروب ، بين السلطان سليم الخـوري شقيق الرئيس بشارة الخوري والرئيس رياض الصلح : السلطان يريد إسقاط المرشح لمركز المختار ، والرئيس الصلح يحول دون ذلك ، وقد اشتـدّ الصراع بين القطبين إلى حـدّ تهديد الرئيس الصلح باستقالة الحكومة إذا تـمَّ إسقاط المختار ، وتهديد السلطان سليم بحـلّ مجلس النواب إذا حصل العكس ، وكان الله في عـون المجلس النيابي فنَجـا من الحـلّ ، بالرغم من تمكُّن المختار من الفوز .
في القرآن : “ويَضْـرِبُ اللهُ الأمثالَ للناسِ لعلَّهُمْ يتذكَّرون” .
خيـرُ من يعبّر عن سياسة البلدية والمخترة هم الرحابنة ، في مسرحية “المحطة”: رئيس البلدية نصري شمس الدين يرسل إلى فيروز “البوليسيّة” وهي لم ترتكب ذنْبـاً ، مثلما كانت مسرحية “بيّـاع الخواتم” ، تخترع من المختار شخصية وهميّـة إسمها “راجح” يستخدم كلّ وسائل الشيطنة بهدف الإساءة إلى القريـة .
وخيـرُ مَـن يعبّـر عن طبيعة الممارسة السياسية عندنا ، هو منصور الرحباني القائل : “كلّنا دقّيقيـن كبـيّ” .
المجالس البلدية في لبنان تمثّل إرادة مجموعات الشعب ، والشعب مصـدر السلطة في النظام الديمقراطي ، والسلطة كما يقول “برناردشو” : “لا تُفسد الرجال إنما الأغبياء إذا وُضعوا في السلطة هم الذين يفسدونها” .
وعليه يقتضي أن يتقيّد التمثيل الشعبي بصفاتٍ أخلاقية وعقلية ووطنية عالية ، لا أن يكون مجـرَّدَ انتهازِ طموحٍ ومصدراً للتعيّش والجـاه .
حين يكون التمثيل في السلطة من أدنى إلى أعلى ، ومن أعلى إلى أدنى مدفوعاً بغريزة السيطرة والجـاه ، فهذا مـرضٌ يُعْـرف بجنون العظمَـة ، وغالباً ما تذهب العظمة ، ويبقى الجنون .

عن جريدة الجمهورية
بتاريخ : 23/5/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى