تصفية المصارف.. ووضع اليد عليها
كثير من اللبنانيين يجهل ما يتعلّق بحقوقهم المصرفية، وما هي الآلية التي يتم فيها الإعلان عن توقّف المصرف عن الدفع، وبالتالي من هي الجهة القانونية المختصة بذلك، ومَن يحقّ له إقامة الدعوى على المصارف المفلسة او المتعثرة. ان حلّ (تصفية) المصارف ليس بأمرٍ جديد في لبنان، إلّا أنّه يبقى أمراً شائكاً لتداخل عدّة عناصر فيه، رغم وجود محكمة خاصة للنظر بالدعاوى الخاصة بالإفلاس وغيرها.
محكمة خاصّة بقضايا الإفلاس
يؤكد المحامي راضي بطرس أنه «من غير المسموح القول أنه ليس هناك محكمة للبت بنزاع معين، فحتى لو كانت القضية تتطلب محكمة خاصة غير موجودة لأن لا نص قانونياً لها، يفترض على القضاء العادي البت بها. علماً أنه بالنسبة إلى المصارف، هناك محكمة خاصة موجودة في قصر عدل بيروت لتقديم دعوى ضد اي مصرف. صحيح أنها فعلياً محكمة عادية، أي ليست بحاجة الى قانون لإنشائها، إلّا أنّه يُمكن إعتبارها خاصة. بذلك، لا يمكن لأحد الإدعاء بأنه لا يُمكن محاكمة المصارف في لبنان في ظلّ عدم وجود محاكم مختصّة».
آلية إعلان توقف المصرف عن الدفع
ويشرح بطرس في حديث مع صحيفة «نداء الوطن»، آلية إعلان التوقف عن الدفع ووضع اليد على مصرف عامل في لبنان، لافتاً إلى أن «هناك إختلافاً ما بين أن ينظر مصرف لبنان في القضية أو تحويلها إلى المحكمة. فبعد قضية إفلاس «بنك إنترا» عام 1966، وهو كان المصرف الأكبر في المنطقة، بسبب عدم منح مصرف لبنان له قرضاً بقيمة 70 مليون ليرة، صدر في العام التالي قانونان لتفادي تكرار هذه المسألة:
القانون الأول يحمل الرقم 2/67 وينصّ على إخضاع المصارف العاملة في لبنان لأحكام خاصة.
أما القانون الثاني، فيحمل الرقم 28/67 وهو الذي أنشئت على أساسه لجنة الرقابة على المصارف والهيئة المصرفية العليا ومؤسسة ضمان الودائع. حينها، حدّدت الأخيرة مبلغ 5 ملايين ليرة لضمان الودائع، وكان الدولار آنذاك يساوي ما بين ليرة وليرتين ونصف لبنانية، بمعنى أن الودائع التي كانت تصل قيمتها إلى مليوني دولار تقريباً كانت تحصل على ضمان، واليوم أصبحت هذه القيمة 75 مليون ليرة (833 دولاراً)!
6 أسباب لإعلان التوقف
ويرى بطرس أن «توقّف المصارف عن الدفع له ستة أسباب وفق القانون رقم 2/67، أربعة منها لا دخل للمودعين بها»، ويُعدّدها على الشكل الآتي: «1- المصرف يجهر عن رغبته في إعلان إفلاسه، 2- المصرف لم يسدد دينه لمصرف لبنان، 3- المصرف أصدر شيكاً على مصرف لبنان دون مؤونة، 4- أو أنه لم يفِ بإلتزاماته الناتجة عن المقاصة».
أما بالنسبة إلى السببين اللذين لهما علاقة بالمودعين، فيستند بطرس إلى المادة 489 من قانون التجارة، مشيراً إلى أن «المادة رقم 4 من القانون 2 هي التي تُحيلنا إلى المادة 489، وهي تنص على أنه إذا توقف المصرف عن سداد ديونه التجارية وهذا سبب إعلان توقفه عن الدفع، أو إذا لم يدعم الثقة المالية به إلا بوسائل يظهر بجلاء أنها غير مشروعة، يسمح هذان السببان للمودع بالذهاب إلى المحكمة ويطلب إعلان توقف هذا المصرف عن الدفع. في هذه الحالة، يتم تعيين لجنة تضع جردة للموجودات والديون في المصرف المعني. ويتم الإعتبار المباشر بأن هناك حجزاً إحتياطياً على أموال رئيس وأعضاء مجلس الإدارة. لكن، يمكن إلغاء هذا الإجراء وفق قانون لاحق صدر عام 1991 يحمل الرقم 110 وينص على أنه بإمكان مجلس الإدارة المطالبة برفع الحجز بوجه الخصم أي مؤسسة ضمان الودائع… كذلك، وفق القانونين 67/2 و67/28 وأحكام لإفلاس فإن الفترة المشبوهة تعود إلى فترة الـ18 شهراً السابقة لتاريخ إعلان التوقف عن الدفع، أي أن المسؤولية تقع فقط على من تناوبوا على المنصب خلال هذه الفترة، بالتالي قد لا يُحاسب رئيس إرتكب مخالفات بينما يكون رئيس مجلس الإدارة الجديد في الواجهة، ولكن يُمكن ملاحقة رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة السابقين بناءً على أسس قانونية أخرى».
ويضيف: «القانون رقم 28/67 ينص على أن الهيئة المصرفية العليا التي يرأسها حاكم مصرف لبنان بإمكانها إصدار قرار بوضع اليد على مصرف معيّن، ويحوّل الملف إلى رئاسة مجلس الوزراء. وإذا قضى قرار الهيئة بضرورة إيقاف المصرف، توضع اليد عليه خلال 48 ساعة من تسجيل الكتاب في قلم أمين عام مجلس الوزراء. ولدينا مثال اليوم وهو «فدرال بنك» الذي عُيّن عليه مدير مؤقت (السيد عنداري) من قِبل الهيئة المصرفية العليا. إلى ذلك، إذا تقدم شخص بطلب إلى محكمة العدل ولم يصدر قرار بتوقف المصرف عن الدفع، يُمكن للهيئة المصرفية العليا وضع اليد عليه. أما إذا صدر القرار عن المحكمة المختصة لا يعود بإمكانها ذلك».
«مسألة هامة»
وفي السياق، يُضيء بطرس على مسألة هامّة وهي أنه «بموجب المادة 156 يفترض بالمصارف الإلتزام بقواعد تؤمّن صيانة حقوق المودعين»، كما أنه يلفت إلى أنه «لم يُصر حتى اليوم إلى التحقيق بموضوع «Fractional Reserve» وما إذا كانت المصارف طبقتها في لبنان أم لا».
مهلة مرور الزمن
كذلك، يشير إلى أنه «لدينا مسألة هامة أخرى وهي مهلة مرور الزمن. فالمادتان 76 و171 من قانون التجارة تنصان على أنه تسقط بمرور الزمن بمهلة 5 سنوات الاحكام على رئيس مجلس الادارة وأعضاء مجلس الادارة في الشركات المقفلة مثل المصارف، إبتداءً من تاريخ محضر إبراء الذمة بموضوع الأعمال المخالفة للقانون التي قاموا بها. بالتالي فإن طول الأمد في موضوع الملاحقات وتأجيلها يُفيد أصحاب المصارف أكثر مما يضرّهم. والأغلبية يقدّمون إستقالاتهم ويضعون في الواجهة رؤساء مجالس الإدارة الجدد من أجل تمرير الوقت والتهرّب من المسؤولية».
ويختم بطرس حديثه، بالقول: «بإختصار توجد طريقتان قانونيتان لملاحقة المصارف: إمّا أن تتخذ الهيئة المصرفية العليا قراراً بوضع اليد على المصرف أو تقديم دعوى حسب القانون رقم 2/67 معطوفة على المادة 498 من قانون التجارة».
لا بد من حماية القطاع المصرفي
من جهته، يوضح الخبير في الشؤون القانونية والمصرفية الدولية المحامي علي زبيب أنه «لا بد من الخروج من الأزمة الحالية عبر حماية القطاع المصرفي ممن أفسده وأساء إدارته من أصحاب المصارف ومدرائها وذلك بالصيّغ القانونية المُتاحة. وقد تم شرح القانون 2/67 (إعلان توقف المصارف عن الدفع) ووضع إدارات بديلة، تمهيداً لإستعادة الأموال المُبددة بوجه غير مشروع. وهو ما بادرت به نقابة المحامين في بيروت وهي كانت السباقة في تقديم دعوى إعلان مصرف متوقف عن الدفع بموجب القانون 2/67، ويجب أن يحذو حذوها عدد من النقابات الأخرى».
الهدف الرئيسي حماية الودائع
ويعتبر زبيب خلال حديثٍ مع «نداء الوطن»، أن «الهدف الرئيسي هو حماية الودائع عبر حماية المصارف من القيمين عليها (رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات) والذين عاثوا فساداً في الإدارة وأهدروا الودائع عبر سلسلة من الإجراءات غير القانونية».
الأمل الأخير للمودعين
ويتابع زبيب: «تقنياً يتم وضع اليد على المصرف المدعى عليه ويتم تحييد إدارته الحالية ووضع ادارة بديلة، ووضع القيمين تحت التعقب من خلال العودة إلى الخلف أي فترة الريبة (18 شهراً)، والتي قد تطول إلى ثلاث سنوات ونصف إذا ما إحتسبنا فترة إيقاف المهل. ومن هنا وفور وضع اليد، يمكن للمحكمة المختصة ملاحقة كل البيوعات العقارية والتحويلات والهندسات المالية ونقل الأصول، وإستعادة ما يمكن إستعادته بالوسائل القانونية والقضائية عبر التواصل مع سلطات اجنبية رقابية وقضائية. هذه الدعوى ستغني عن التدقيق الجنائي وهي تُعيد الأمل الأخير للمودعين للإستحصال على حقوقهم، كونها تؤمن الولوج إلى العدالة في ما يتعلق بتعقب وملاحقة جميع المخالفات التي ارتكبتها المصارف عبر القائمين عليها».
المصدر : نداء الوطن