إذا كان “الصمود” هو عنوان الزيارة التي قام بها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي إلى الجنوب وتحديداً إلى مدينة صور، فإن أبعادها اكدت ما هو اكثر من ذلك لأنها في المختصر دلت على أن الجنوب جزء لا يتجزأ من البلد وإن اهله هم المحور الأساسي لمتابعة سيد بكركي الذي تبنى مبدأ الحياد وعدم جر لبنان إلى أي حرب.
أخذ بطريرك الموارنة على عاتقه العمل من أجل حماية لبنان وشعبه. صحيح أن انتقادات طالته بفعل طروحات أو مقترحات معينة، الا أنه مرتاح لما يقدم عليه وليس مستعدا لتبديل قناعة يؤمن بها.
ليست المرة الأولى التي يقوم فيها البطريرك الراعي بخطوات ينطبق عليها التوصيف “الإستدراكي”، وهذا واضح في محطات عدة، وهو في الوقت نفسه لا يوصد أبواب النقاش، إنما يقول ما يراه مناسباً منطلقاً من المصلحة الوطنية، وينبري في الدفاع عن استحقاقات دستورية أساسية ولاسيما بالنسبة إلى رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش.
اما زيارته منطقة الجنوب، فهي تصب في سياق الإعلان عن التضامن مع الجنوبيين وبعث برسائل عن احتضان
الكنيسة المارونية لأبنائها. لم يبخل البطريرك الراعي في الوقوف بوجه أي قرار غير واقعي أو سليم.
قد يتفقُ معه كثيرون ويعارضه كثيرون إلا أن هناك معارك يقودها حتى الرمق الأخير. وهنا تقول أوساط معارضة لـ
“لبنان24” إن البطريرك الراعي لم ينظر إلى زيارته الأخيرة إلى
صور أو إلى أي زيارة رعوية إلى مناطق أخرى بأنها تمت وانتهت، فهناك قضايا تعلق في ذهنه يتابعها شخصيا أو من خلال لجان يكلفها، وهناك زيارات تتأخر وبعضها ينسق سريعا والبعض الآخر مفاجىء إنما في كل الأحوال، يتطلع البطريرك الماروني إلى “الضرورة” في الخطوات التي ينجزها، ويسأل ويستفسر عن أصداء معينة تصل إليه ورسائل من رعايا، ولكل محطة عنوان معين لكنها تندرج في إطار الوقوف على مطالب محددة أو مشاكل تستدعي تدخلاً منه، وعندما طلب تخصيص مساعدات عبر “تبرعات الصينية” قال ذلك للإشتراك في حملة عنوانها دعم صمود أهالي القرى الحدودية.
لا يمكن التعامل مع مواقف البطريرك الراعي وكأنها مع فريق ضد آخر أو لأستفزاز هذه القوى أو تلك، هذا ما تؤكده الأوساط نفسها، التي ترى أن البعض يتحامل على سيد بكركي لأنه غير قادر على التدخل في حسم استحقاق ما، إلا أنه تاه عن ذهن هذا البعض أن البطريرك الراعي مرجعية روحية تبعث بالأرشاد والنصيحة ولا تقرر أو تملك صلاحية التقرير. لكن البطريرك الراعي يحاول في بعض الأحيان استنباط الحلول ويعلن الاستعداد للمبادرة أو رعاية اجتماع أو صلحة لكنه في قرارة نفسه يدرك أن الأفرقاء يعودون في نهاية المطاف إلى ما يخدم مصالحهم. وتوضح أنه بات يتردد في رعاية أي لقاء لا نتائج له، والتجربة قادته إلى هذا التحليل.
وتشدد على أنه في القضايا الكبرى يعلن رأيه كما حصل منذ أحداث الجنوب وقبل ذلك في ملفات حملت مسؤولين وقيادات إلى الصرح البطريركي لشرح حقائق أو تفاصيل أو حتى لشرح إجراء معين وفي مرات كثيرة رفعت بكركي صوتها لتصحيح خطأ، ومعظم زواره خرجوا بأنطباعات مفادها أن ضميره ودوره الوطني وليس الماروني يتطلبان منه التحرك فوراً، ومن هنا تأتي مناداته بالمحافظة على القيادة الحالية للجيش كما دعوة النواب للتوجه إلى مجلس النواب وانتخاب الشخصية القادرة على الحصول على الأصوات اللازمة وفق العملية الدستورية، لافتة إلى انه لم ولن يؤيد هذا المرشح او ذاك وهدفه المحافظة على موقع الرئاسة وكل المواقع المارونية، مشيرة إلى أن البطريرك الراعي تصرف كما يجب ويواصل ذلك.
لن يتأخر سيد بكركي في أي إجراء أو تدخل عندما منه الظرف ذلك، وهكذا كانت عليه الكنيسة المارونية منذ زمن بعيد ولن تبدل في ثوابتها أبداً.
المصدر : لبنان ٢٤