اقتصاد

بعد انتظام الحياة السياسية في لبنان: قراءة لواقع الدولار… انفراجات أم تأزّم؟

عززت الأجواء الإيجابية بعد انتخاب رئيس للجمهورية وإعلان تشكيل الحكومة في لبنان بعد أسابيع من مشاورات مكثّفة آمال الشعب اللبناني بحلّ قريب للأزمات التي تعصف بالبلاد وكثرت التساؤلات في الشارع اللبناني حول تأثير هذه التطورات والتحوّلات السياسية على الوضع الاقتصادي ولا سيما على سعر صرف الدولار الذي انهمك به الرأي العام خلال سنوات عديدة.
وانعكاساً لتنامي موجة التفاؤل سُجّل تهافت في السوق على بيع الدولارات مقابل الليرة اللبنانية بسعر صرف يبلغ 89500 ليرة، وسط انتشار شائعات عن احتمال انخفاض سعر صرف الليرة بعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة.

وبغضّ النظر عن أنّ اقتصادنا في خضم أزمة غير معالجة، صنّفها البنك الدولي بأنّها أشدّ ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، فكيف يمكن قراءة واقع الدولار بعد الإنفراجات التي حصلت على الساحة اللّبنانية؟
حياة اللبناني… رهينة سعر صرف الدولار!
لم يعد من المهم تحديد الرقم الذي وصل أو سيصل إليه سعر صرف الدولار في السوق الموازية، إذ انه وبغض النظر عن حركته باتت حياة المواطن اللّبناني رهينة للتضخم الاقتصادي غير المسبوق الذي يعيشه ولارتفاع أسعار الخدمات والسلع على حدّ سواء.
 مرحلة جديدة… انفراجات أم تأزّم؟
يوضح الخبير والكاتب الاقتصادي أنطوان فرح لـ «اللواء» أنّ «سعر الدولار الحالي اليوم هو اصطناعي بمعنى أنه خارج إطار التسعير الطبيعي الذي يكون في اقتصاديات الدول إجمالاً والذي يرتبط بأمرين أساسيين، أولاً بالوضع الاقتصادي وقوته ونموّه وكافة المؤشرات الاقتصادية التي تُعتبر معياراً لتحديد سعر صرف أي عملة في العالم، وثانياً حسب الوظيفة الاقتصادية لكل دولة».
ويتابع: «في الحقيقة، هذه المعايير ليست قائمة في لبنان، فمن جهة، لقد تم فصل سعر صرف الدولار عن المعيار الاقتصادي العام ومن جهة أخرى لم تحدّد حتى اليوم الوظيفة الاقتصادية للبنان».
هل سينخفض سعر صرف الدولار؟
في هذا السياق، يقول فرح إنّ «المرحلة المقبلة ستحمل ثبات في سعر صرف الدولار لحين استلام مصرف لبنان حاكم أصيل ولحين وضع خطة اقتصادية تحدّد بموجبها الوظيفة الاقتصادية للبنان وكيف ستكون خطة التعافي، وعلى هذا الأساس سيتم التعامل مع السياسة النقدية وتسعير سعر صرف الليرة، وبالتالي ليس مؤكداً ان الدولار سينخفض لاحقاً».
ويؤكد أنّه «لا أحد يعلم ما هو سعر الصرف الحقيقي لليرة اليوم، وعلينا الانتظار ليعود الاقتصاد لحالته الطبيعية وبعدها يمكن تحديد سعر الصرف».

بعد انتظام الحياة السياسية… ما الإصلاحات المطلوبة؟
وعن لائحة الإصلاحات المطلوبة يرى فرح أنّها «كثيرة وطويلة الأمد، ويبقى الأهم وضع خطة تعافي شاملة وتحتها يجب وضع خطط صغيرة أيضاً، منها خطة معالجة أزمة الودائع، إعادة القطاع المصرفي إلى العمل الطبيعي، تحديد الوظيفة الاقتصادية للبنان، وضع خطة «خمسية» للسنوات المقبلة تتضمن توقّعات الاقتصاد ودعم القطاعات، الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، إجراء مفاوضات مع حاملي اليوروبوند، هذا بالإضافة إلى إجراء الإصلاحات المطلوبة التي تبدأ بالقضاء على الاقتصاد الأسود أو بما يعرف بالتهرّب والتهريب والتحقيق فيما ورد في خطاب القسم لجهة استقلالية القضاء ولاحقاً يجب إعادة هيكلة القطاع العام وتشديد الحوكمة في المال العام ووزارة المالية، فجميع هذه الأمور يجب أن تتبع توازياً مع الخطوات المذكورة».
ويضيف: «الحكومة الجديدة لن تنجز هذه الخطوات دفعة واحدة لكنّها يجب أن تأسس وتبدأ بالخطوات نحو مسيرة واضحة للوصول إلى الهدف المطلوب».
 التحدّيات على المدى البعيد…
يشدّد فرح على أنّ «مخاطر ارتفاع أو انخفاض سعر صرف الدولار تؤثر سلباً على الاقتصاد، فإذا شهد اليوم سعر صرف الدولار انخفاضاً تدريجياً وغير مرتبط بالمؤشرات الاقتصادية فبالطبع ستكون تداعيات هذا الأمر سلبية، ولكن إذا تم هذا الخفض بشكل تدريجي ومدروس وعلى مدى طويل وبالتوازي والتماهي مع الخطة الاقتصادية ومع الوظيفة الاقتصادية للبنان فستكون خطوة إيجابية، ومن هذا المنطلق نكون قد رفعنا القدرة الشرائية تلقائياً للمواطن من دون رفع الرواتب».
مشهد اجتماعي كارثيّ!
أمام الواقع المُعاش نحن أمام مشهد كارثي مكتمل المواصفات على الصعيد الإجتماعي والمعيشي، لا يمكن غض النظر عن فئة اجتماعية وازنة ما زالت تستلم أجورها بالليرة اللبنانية، ما يدفعها لممارسة أكثر من مهنة في محاولة لخلق توازن اقتصادي.
من جهته، يقول رب عائلة: «بات من غير الممكن لمن يتقاضى رواتبه بالليرة اللبنانية أن يستمر في تأمين الحدّ الأدنى من متطلبات الحياة في حال لم يقدم أفرادها على أكثر من مهنة في الوقت نفسه».
ويضيف: «كل ذلك يجبر الأسر التي تعاني من هذه المشاكل للذهاب مرغمة إلى ترجمة هذا النقص من خلال الجرائم وحالات الانتحار اليومية التي يكثر الحديث عنها عبر الإعلام».
وتعبّر مواطنة عن وجعها قائلةً: «أشعر بالغضب والإهانة عندما أسمع أن الفقر وراء هذه المشاهد المأساوية وأنه خلّف حالات الجرائم والانتحار، إنه الفساد الذي أوصل المواطن اللبناني إلى العوز واليأس والانتحار، وهل من يرى أو يسمع؟!».
المصدر: اللواء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى