وكان عندنا إستقلال
الوزير السابق جوزف الهاشم
لو لم تذكّرنا الروزنامة بالثاني والعشرين من تشرين الثاني ، لمَـا تذكّرنا أنَّ هذا التاريخ يتوافق مع عيد الإستقلال ، ونحن نعيش عالماً يخرج من التاريخ والجغرافيا ، ويقودنا المجهول إلى حيث لا مكان ولا زمان .
منذ 1975 يوم سيطرتْ دولـةُ الميليشيات على دولـةِ المؤسسات ، أصبح الإستقلال عندنا إستقلالات وغرقنا في بحـورٍ من الحروب : حربٌ فلسطينية ، وحرب إسرائيلية ، وحربٌ سورية ، وحربٌ أهلية بسبب الإستقلال عن الإستقلال ، وحربٌ مارونية مارونية بسبب الإستقلال بالكرسي .
وقد كُتبَتْ علينا اليوم حربٌ إسرائيلية فلسطينية إيرانية ، على حسابِ الإستقلال .
الدول العريقة تخوض الحروب إجلاءً لمحتلٍّ ، أو لردْعِ غـزوٍ خارجي ، ونحن نخوض حروباً ضـدّ الغزو الخارجي وضـدّ الغزو الداخلي ، كمثل القرصان الذي يسرق في أرضـه والصَقْرِ الذي يصطادُ في وكْـرِه .
هذا اللبنان الذي كان في 23 أيار 1926 أيْ منذ مئـة عام ، أول جمهورية في العالم العربي ينصّ دستورها على إقامةِ نظام برلماني وحكومة ديمقراطية ، أصبح بعد مئـة عـام بلا جمهورية ولا ديمقراطية ولا نظام ولا دستور .
دستور 1926 قيل : إنـه يوازن بين الشرق والغرب ، فكان دستور 1943 : لا للشرق ولا للغرب ، حتى استقرّ دستور الطائف 1990 على : لبنان العربي الهويـة والإنتماء ، فاعتقدنا أننا تلاقينا أخيراً حول لبنان الذي نريد ، وكفى الله المؤمنين شـرّ القتال .
نكاد اليوم نُكـرّر كـلَّ التجارب التاريخية ذاتها ، كلما كان نـزاعٌ داخلي حول الولاء الوطني والسيادة والإستقلال ، كان انقسامٌ واقتتال ، والإقتتال يستدرج الوصايات .
هكذا كان ، منذ عهد الدولة العثمانية ووصاية وزير خارجيتها شكيب أفندي ، وعهد المتصرفية ووصاية واصا باشا ، وعهد الإنتداب الفرنسي والمفوض السامي الكونت دي مارتيل ، وعهد الوصاية المصرية والمفوض السامي عبد الحميد غالب ، وعهد الوصاية السورية والمفوض السامي غازي كنعان ، ولا نزال دولةً تحكمها الوصايات ، وعلى كلِّ خَصيٍّ وصيّ .
أَلا ، تسخَرُ منّا الأُمـمُ والقِمَـم ولبنان المستقلّ هذا ، بات يحتاج إلى بيانٍ من القمة العربية الإسلامية الأخيرة يدعو المسؤولين فيه إلى انتخاب رئيس له …؟
هناك فريقٌ يعتبر انتخاب رئيس للجمهورية في الظروف الراهنة انكساراً للشيعة ، وهناك فريقٌ يعتبر عـدم انتخاب رئيس على مـدى سنتين ويزيد انكساراً للموارنة … متى نؤمن بأن انكسارَ الشيعة هو انكسارٌ للموارنة ، وانكسارَ الموارنة هو انكسارٌ للشيعة … ومتى نعرف كيف ننكسرُ معاً وننتصرُ معاً ..؟
أيّ بلدٍ مستقلٍّ سيّد ، تدعو القمـة العربية المسؤولين فيه إلى الحرص على سيادته والتشدّد على دعم الجيش للحؤول دون الفتنـة وتكرار جيوش أمراء الحرب ..؟
يوم انتُخب الشيخ بشير الجميل رئيساً ، أعلن عزْمَـهُ على حـلّ القوات اللبنانية ودعا مَـنْ يرغب مِنَ القوات المتقاتلة إلى الإنخراط في صفوف الجيش ، وقد رأى أنّ لا مجال للإنتقال من خندق الشارع إلى خندق الشرعية إلاّ بالإندماج الوطني تحت لـواء وحدة الجيش .
وهذا الجيش الذي يُعتبر المؤسسة الوحيدة المتبقِّية للمحافظة على ما تبقّى من هيكل الدولة وأشلائها ، يُستهدَفُ اليوم من عـدوّ الخارج ويُطعن بسكيّن “بروتُس” من الداخل .
بصراحة ، إنّ معظم الركائز الوجودية التي يقوم عليها الوطن المستقل أصبحت مزعزعةَ الأركان ، ولن تكون قيامةٌ إلاّ عندما نجدّد الإيمان بقدسيّةِ لبنان مع كمال جنبلاط في كتابه : “المعرفة زاد الإنسان” – ص : 39 – 40 – فيقول : “أؤمن بلبنان ، فأرضهُ مقدّسة وحدوده محرّمة وأرزُهُ لا يُمسّ ونـورُه ساطعٌ على الدهر … أؤمن بقدسية لبنان وبعظمة لبنان المميّز عن جميع دول الأرض بالنبوغ والعبقرية والفكر ، ومن يعمل أو يعلّم ضـدّ لبنان يجـدّف على الله وعلى الضمير والتاريخ …”
عـن جريدة الجمهورية
بتاريخ : 22/11/2024