اقتصاد

هل اللّيرة فعلاً بخير؟

كتب أنطوان فرح في “نداء الوطن”: 

أصبح تعبير “الليرة بخير” مثار تندُّر مُبرّر لدى اللبنانيين، منذ الانهيار الكبير في أواخر العام 2019. مع العلم، أن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة كان يستخدم هذا التعبير كجزء من واجبه في الموقع الذي يشغله، والذي كان يحتّم عليه طمأنة الأسواق بشكل دائم، بصرف النظر عن طبيعة ما يجري فعلاً.

اليوم، تؤكّد مصادر مصرف لبنان أن الليرة بخير (بمعنى أنها مستقرّة)، وأن المخاوف من احتمال تفلّت سعر الصرف مجدداً ليست في محلّها، على المدى المنظور على الأقل، وأن الوضع تحت السيطرة لجهة السياسة النقدية المتّبعة. فهل ينبغي أن نصدّق هذه المرة، ما يُقال، أم علينا تصنيفه في إطار الواجبات الوظيفية التي تقضي ببث التفاؤل لحماية السوق من ردّات فعل المتشائمين؟

من خلال الوقائع، يبدو أن الليرة بخير فعلاً، ليس بفضل السياسة النقدية المُتّبعة حالياً فحسب، بل أيضاً لأنّ السوق بدأت تتأقلم جزئياً مع صدمة الحرب التي كانت قاسية جداً في الشهرين الأولين، وبالتالي رصدت الجهات المختصة في مصرف لبنان إشارات مُطمئنة تسمح بالقول إن احتياطي المركزي من العملات، بشقيه الحر والإلزامي، قد لا يشهد المزيد من التراجع في الفترة المتبقية من العام 2024. إذ إن إيرادات الدولة بالليرة، والتي يستخدم مصرف لبنان قسماً منها لشراء الدولارات من السوق وتعزيز الاحتياطي، ليست بالسوء الذي اعتقده البعض. ومن الواضح أن عدم وجود حصار بحري وجوي وبري ساهم في المحافظة على قسمٍ من هذه الإيرادات، لا سيّما أن حجم الاستيراد لم يتراجع تقريباً، بما أسهم في الحفاظ على مستويات جيدة من الإيرادات للخزينة. كما أن حركة السوق التي أصيبت بشللٍ تام عند بدء الحرب الفعلية منتصف أيلول الماضي، عادت وتأقلمت نسبياً، في بعض القطاعات، واستعادت بعضاً من عافيتها.

هذه الأجواء تشي بأن السياسة النقدية التي يتّبعها المركزي بقيادة وسيم منصوري لا تزال في المنطقة الآمنة، وأن تراجع الاحتياطي الناتج في الأساس عن تكبير حجم الدفعات للمودعين، والذين يصل عددهم إلى حوالى 400 ألف مستفيد، وفق التعميمين 158 و166 إنما هو أمر بديهي، ولا يدخل ضمن المحاذير أو المحظور. وهذا يعني أن لا خوف على الليرة في هذه المرحلة، ولا خوف على السياسة النقدية التي لا تزال صامدة، بعدما اجتازت بنجاح معمودية النار منذ شهرين حتى اليوم.

ورغم أنه يصعب التكهّن بما ينتظرنا في الأيام المقبلة، وإذا شئنا أن نثق بالأجواء التي تُشيعها السفيرة الأميركية في مجالسها، في شأن وقف النار، ومستقبل البلد، قد يكون من المسموح التمسُّك بحبل التفاؤل، والمراهنة على غدٍ أفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى