أخبار الإقليم والشوف

العائلات النازحة أشادت بخصاله وقيمه الوطنية وحرصه على البعد الإنساني..

إبن الجنوب المهندس سيروب كيزيريان حوَّل مشاريعه السياحيّة في المجيدل وريمات ( جزين) إلى مراكز إيواء للنازحين دون أي مقابل

خاص – “موقع الاقليم والشوف الأعلى”

فعلاً إن العمل الإنساني والوطني عابر لكل الحواجز والمذاهب والطوائف، وقد كشفت الحرب الإسرائيلية الموسّعة على لبنان، حجم وحقيقة التلاحم الوطني، الذي تجلت أبهى صوره في العديد من المناطق اللبنانية، من خلال الإستقبال والتعامل والإهتمام وإحتضان النازحين من أبناء الجنوب والضاحية والبقاع، وحتى في قلب المناطق التي كانت على خصومة مع البيئة السياسيّة للنازحين.

لا تخلو المناطق اللبنانية وأهلها، وأصحاب النوايا الطيبة، وهنا كما يقول المثل الشائع «الدنيا لا تخلو من أهل الخير»، فقد جسّد على أرض الواقع إبن بلدة حارة صيدا، وإبن الطائفة الأرمنية الذي يحمل السجل رقم واحد، م.سيروب كيزيريان هذه الروحيّة، في تحويل مشاريعه السياحيّة في بلدتي المجيدل وريمات (قضاء جزين)، إلى مراكز إيواء للنازحين، حيث تستضيف ما يقارب 250 شخصاً في 20 وحدة سكنية مفروشة من دون أي مقابل «وفاء للبنان الذي إستقبل الأرمن قبل إعلان دولة لبنان الكبير، فلبنان له دين علينا، وما من مشكلة اذا كنا أوفياء واستقبلنا إخوتنا النازحين من الجنوب»، كما قال كيزيريان.

المهندس كيزيريان، الذي تجاوز كل الإعتبارات ووضع في صلب إهتماماته وأهدافه العمل الإنساني، لتأمين حياة كريمة لأبناء الجنوب، الذين يتعرضون لأبشع المجازر يوميا في بيوتهم وأحيائهم، كان لنا معه هذا الحديث الخاص لـ “موقع الاقليم والشوف الأعلى” حيث أكد “أنه إبن حارة صيدا ورقم سجله واحد”، وشدد على “أن ما نقوم به، حدوده ودائرته وإطاره المستوى الإنساني فقط”، وأشار الى “وجود حوالي 250 شخصاً في مشروعيه السياحيين في المجيدل وريمات (قضاء جزين)، من أبناء أهل الجنوب.”

وأضاف “ان الحرب لا تفرّق بين الفقير والغني والميسور، فأهلنا تركوا جميع مدخراتهم وكل ما يملكون، من بيوت وأرض وأرزاق، ونزحوا عنها، لذلك من واجبنا أن نقف الى جانبهم ونخفف عنهم، فنحن إخوة في الوطن .”

وتحدث كيزيريان عن تاريخ وجود الأرمن في لبنان، فقدّم لمحة تاريخية، وأشار الى “أنهم توزعوا على عنجر وزحلة وبيروت ( برج حمود والأشرفية)، وصيدا وصور وجزين،” مؤكدا “ان الحضور الأرمني موجود في الجنوب عبر التاريخ وان كان بشكل محدود .”

وقال:” نعم ان ما نقوم به اليوم تجاه إخوتنا من أبناء الجنوب، هو من منطلق إنساني ووطني، فالأرمن بدأوا اول موجة نزوح إلى لبنان سنة 1700 في كسروان، وإستقبلهم اخوتنا الموارنة وساعدوهم في بناء اول دير أرمني في بزمار، الذي أصبح لاحقاً مركز بطريريكية الأرمن الكاثوليك . والموجة الثانية الكبيرة سنة 1915 والذين انتشروا خلالها في لبنان . ”

وأضاف كيزيريان “ان لبنان وشعبه لم يقصّرا أبداً مع الأرمن تاريخياً، وحضن جميع الأرمن، لذلك ما نقوم به اليوم هو نوع من رد الجميل لأهلنا . كما اننا كنا استقبلنا منذ حوالي 40 سنة، خلال فترة الإجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، ما يقارب 300 مهجر من عين الحلوة، ووقتها استهدف العدو الإسرائيلي معقلنا وبيتنا ومعداتنا في جنسنايا شرق صيدا، نتيجة وقوفنا بوجه المشروع التهجيري الطائفي، فنحن منذ ان أنشأنا مشروع “السيروبية” في الستينات، ونحن ندفع ضريبة انتماؤنا واعمالنا الوطنية . واليوم وبعد أربعين سنة نقوم بواجباتنا مع أهلنا في الجنوب الذين يتعرضون لأبشع أنواع العدوان والمجازر، فإستقبلنا أخوتنا في مؤسساتنا السياحية في هذه الأيام المرّة مجاناً ودون أي مقابل بهدف التخفيف من معاناتهم .”

وتابع “نحن الأرمن لنا جذور تاريخية في حارة اليهود في صيدا القديمة، فجدي زيرون كيزيريان، من الأرمن الذين هربوا من الإبادة مشياً على الأقدام من أرمينيا عبر سوريا والصحراء الأردنية، ومن ثم الى طرابلس وبعدها الى جزين الى ان استقر في صيدا، وعمل وقتها مصورا، وكان اول مصور على مستوى جنوب لبنان وأول استديو للتصوير فتحه في جزين، حيث كانت المدينة مقصدا سياحياً . صحيح ان الأرمن أقلية في الجنوب، لكن لهم أثرا ووزنا وتأثيرا كبيرا في المجتمع المحلي عبر التاريخ، وأصبح الحضور الأرمني لافتاً في صيدا وجزين . ”

وأضاف” ان جدي زيرون كان له موقعا كبيرا و مرجعا للأرمن في صيدا . وعمّي سيروب الكبير، الذي يعتبر اليوم كبير العائلة ويبلغ من العمر 94 سنة، كان ربح ورقة “لوتو” انكليزية بقيمة 10 آلاف جنيه إسترليني، يوم الزلزال الشهير الذي ضرب لبنان سنة 1956، فعندما ربح هذا المبلغ، بدل ان ينفق المال عشوائيا، قرر تحقيق أحلامه منذ صغره، فإشترى قطعة الأرض التي تعرف اليوم “بالسيروبية”، مساحتها الاجمالية 200 دنما، وكان هذا الحلم يراوده عندما كان يتابع دراسته في المدرسة الإنجيلية في صيدا المعروفة انذاك ب ” جيرارد “. وبعد شراء الأرض، إحتضن إخوته، لا سيما عندما تعرض جدي لحادث سيارة وتوفي، فعندها أصبح عمي الأب والأخ الأكبر للعائلة، وباشر بتنفيذ أولى مشاريع التطوير العقاري، وما يعرف اليوم “بالسيروبية”، والهدف الأساسي كان تأمين مساكن وأراضي لأهالي صيدا، عبر التقسيط لهم لمدة عشر سنوات، ووقتها كان الدفعة الأولى 2000 ليرة والدفعات الشهرية 50 ليرة الى مئة ليرة بالشهر خلال الستينات، وهو كان يعتبر من اوائل نظام الإسكان في لبنان.”
واشار الى “انه معظم ابناء صيدا اشتروا الشقق، وحتى الساعة اليوم نفرّغ المساكن لاحفاد الذين اشتروها سابقا، على الرغم من توقف العديد منهم عن الدفع بسبب أحداث لبنان . علماً أن الشقق والسندات مازالت بإسم عمي وفي حالات معينة لم يتم دفع إلا ربع ثمن البيوت خلال السبعينات، وبالرغم عن ذلك فرّغنا مجاناً..”

وقال :”وكون ان صيدا غالبيتها من المسلمين السنة وتضم جميع الطوائف اللبنانية، وبعد ان كبرت المنطقة أصبحت الحاجة لبناء مسجدا في “السيروبية”، فقدم عمي قطعة أرض بمساحة 1000 متر لبناء المسجد، ولكن المشكلة كانت عدم توفر المال للبناء، حيث كانت كلفة البناء بحدود 15 الف ليرة . وخلال الاتصالات والمراجعات أبلغ عمي عن وجود شيخ كويتي يدعى عبد اللطيف العثمان، وكان يقيم في منطقة بحمدون، وله آثارا طيبة في بيروت ومعظم المناطق اللبنانية في بناء المساجد، فقصده عمي مع وفد من صيدا، وعندما أخبر الشيخ العثمان عن وجود شخص أرمني مسيحي يطلب المال لبناء مسجد للمسلمين، عندها وقف الشيخ العثمان واعتذر من الحضور، وطلب لقاء عمي مباشرة، وأعرب عن موافقته، وقام الشيخ العثمان بزيارة المنطقة بحضور فاعليات مدينة صيدا ( خلال فترة الستينات)، وبعد الكشف على أرض المسجد في “السيروبية” طلب الشيخ العثمان أرض اضافية بمساحة 3000 متر مربع لتكون 4000 المساحة لبناء المسجد، فوافق عمي وقدمها مجاناً وبني المسجد على 4000 م٢، وتم تشييده على طراز المساجد التي بناها في الكويت ( مأذنتين)… ارسل عمي المهندسين إلى الكويت وقد تم اعداد الدراسات والتخطيط لبناء المسجد نفسه في لبنان، و تم تنفيذه وهو يعتبر من اجمل المساجد ..”

وأشار الى انه “ولاحقا ونتيجة للأحداث الطائفية التي عصفت بلبنان، قمنا بتقديم أرض المسجد لصالح دار الفتوى وتم التنازل رسميا، وقتها وسمي بمسجد الشيخ عبد اللطيف العثمان، و لا يزال يعرف بجامع “سيروب “.

وتابع المهندس سيروب” ان الغايات الإنسانية هي أهداف عملنا، وليست الغايات المادية، وقمنا في بلدة المجيدل وفي ريمات في قضاء جزين بمشاريع سياحية ما يقارب 20 وحدة سكنية من “فيلل” وشاليهات و”بانغالوز”، وعند وقوع الحرب ونزوح أهلنا فتحنا أبوابنا لهم في مشاريعنا السياحية في ريمات والمجيدل، مجانا للوقوف الى جانبهم والتخفيف من معاناتهم . ونظمنا امور النازحين في كل مركز وشكلنا لجان محلية في المركزين، للتعاطي مع الجهات الرسمية .”
وقال:” منذ اليوم الأول للحرب، منذ حوالي الأربعين يوما، قمنا بتأمين الناس وكل ما يحتاجونه في مشاريعنا على نفقتنا الخاصة”، لافتا الى “انه عبء كبير علينا خصوصا وان جميع اشغالنا ومداخلنا متوقفة، فقمنا بالتواصل مع الجهات الرسمية والمعنين لتأمين المستلزمات والحاجات للنازحين، وأبرزهم وزير الشؤون الإجتماعية الدكتور هيكتور حجار الذي نشكره على كل الدعم للنازحين، النائب هاني قبيسي الذي ساهم في تحويل الموقعين الى مركزي ايواء رسمي في محافظة لبنان الجنوبي .كما نشكر جهود مجلس الجنوب بشخص رئيسه المهندس هاشم حيدر .”

وختم المهندس سيروب “نحن نكن للبنان كل المودة والإحترام وان ما نقوم به هو واجب وطني، حيث قدمت الأماكن السياحية التي نملكها لتكون في خدمة أهلنا النازحين بكامل قناعة ومحبة، ووفاء للبنان الذي كان ملاذا آمنا لجميع الشعوب المضطهدة، فلبنان له دين علينا، فكما استقبلنا لبنان وشعبه، ما من مشكلة اذا كنا أوفياء واستقبلنا اخوتنا النازحين من أبناء الجنوب من العدوان الإسرائيلي .

عائلات نازحة
وفيما تبدي العائلات النازحة ارتياحها لمكان إقامتها، على الرغم من الجراح بفعل العدوان، تراها تحدثك عن انسانية الرجل الذي فتح مشاريعه السياحية دون أي مقابل .

مختار كفرحتى ( قضاء صيدا) علي حاموش النازح في مشروع المجيدل مع عائلاته، وبصفته رئيس لجنة النازحين في مركز ايواء المجيدل ، قال:” نحن على صداقة قديمة تربطنا مع عائلة المهندس سيروب، وتحديدا والده سامو والجميع يعلم بصمات أياديه البيضاء “. وثمّن حاموش “خطوة كيزيريان، الرجل المسيحي والوطني بكل معنى الكلمة دون أي إعتبارات”، ورأى “أن هذه العائلة لها سمعة كبيرة في عمل الخير في المنطقة، وليس غريبا عليها هذه المبادرة التي قام بها هذا المواطن اللبناني الجنوبي الأصيل الذي تربى على القيم والمبادئ الوطنية، وهي تجسّدت اليوم بالمهندس سيروب الذي قدم لنا كل ما يملك” .

وأضاف ” نحن قصدنا مشروعه السياحي في بلدة المجيدل في قضاء جزين، وإستقبل أيضا عدة عائلات في في نفس المشروع، ومشروعه الثاني في بلدة ريمات، وأبرز العائلات من قضاء صور واقليم التفاح .. ان ما قام به المهندس سيروب ليس مفاجئا من مواطن لبناني، وهذا دليل على ان عيشنا واحد في الجنوب ولبنان ..”

وأكد حاموش “ان جميع حاجات العائلات من ماء وكهرباء مؤمنة، فنحن نعيش في شقق مفروشة”، وأشار الى “جهود كبيرة يقوم بها كيزيريان مع الجهات الرسمية والجمعيات لتأمين المستلزمات اوالحاجات”، داعيا له ولوالده بطول العمر، مبديا “إعتزازه بهذه الروح الوطنية التي يتميز بها كيزيريان، ابن الجنوب الذي لا يشعرنا اننا نازحين، والذي يقوم بتفقدنا مع والده المتقدم بالسن بإستمرار، شاكرا مجلس الجنوب والجمعيات والفاعليات وأهل الخير على ما يقدمونه من مساعدات بجهود ومتابعة من الاستاذ سيروب ..”

ولفت حاموش الى ان الكهرباء على مدار الساعة، وان المهندس سيروب يشغل موالداته الكهربائية الخاصة على نفقته الخاصة لتأمين التيار الكهربائي لنا بشكل دائم .
وطالب المختار “الحكومة وهيئة الإغاثة الإلتفات الى هذين المركزين في المجيدل وريمات لحاجتنا للمواد الغذائية، ووسائل التدفئة ونحن بتنا في فصل الشتاء وفي منطقة تعتبر باردة ..”
وختم المختار حاموش قائلا:”نشكر المهندس سيروب كل الشكر، فهو قدم كل ما يملك، فهم نعم الأخ والصديق المتواضع والمتواصل يوميا، حتى بات يقيم معنا كنازحين..”

حمدان
ولفت حسن حمدان من بلدة كفرفيلا (قضاء النبطية) الذي نزح مع افراد عائلته وعدد من أقاربه، الى “انه ترك بلدته بعد التهديد بإخلاء مركز الأمن العام في جباع في اقليم التفاح”، ووصل الى مشروع المجيدل عن طريق أحد الأصدقاء، ولاقى ترحيبا كبيرا من المهندس سيروب ووضع كل امكاناته بتصرفنا لتأمين حياة كريمة لنا”، مؤكدا “ان ما قام به الاستاذ سيروب لا يقدر بثمن، ليس على مستوى الجنوب، بل على مستوى لبنان” لافتا الى “ان جميع مقومات الحياة مؤمنة في المركز .”
وشدد حمدان على “ان أصداء هذه الخطوة من الناحية الايجابية تخيم على جميع العائلات النازحة، التي تدعو له”، وتؤكد “ان التاريخ سيذكر هذا الرجل لموقفه الوطني بدعم وتوجيه من عائلته الوطنية الحريصة”، معتبرا “ان الناس هي من ستتكلم عن هذا الرجل الذي وقف الى جانبنا، ولم يسأل عن الوجاهة او الاعتبارات الأخرى .”
واعتبر حمدان ان سيروب هو شخص يجمع بقلبه كل الطوائف والمذاهب، وهو الإنسان اللبناني المسلم والمسيحي، السني والشيعي والأرمني والدرزي والماروني..، وهذا ما نحن نحن بحاجة اليه..”

وأكد حمدان ان جميه الحاجات مؤمنة الى حد ما بالتعاون مع الاستاذ سيروب، ونقوم بالتواصل مع الجهات المعنية لتأمين ما يلزم ..مشددا على ان مقومات الحياة الضرورية مؤمنة والحمد لله، وقال :”لا ينقصنا الا ان يوقف اطلاق النار ونعود الى بيوتنا ويتوقف الإجرام والقتل الإسرائيلي.”
وختم :” نحن نعجز عن رد الجميل لهذا الرجل الذي فتح لنا قلبه ومشاريعه لأبناء الجنوب، نحن بحاجة الى أمثاله في هذا الوطن المعذب..”

ديب
من جهته قال مسؤول لجنة النازحين في مركز ايواء ريمات حسين شريف ديب من بلدة رشكناني ( قضاء صور) :نحن نزحنا من بلدتنا الى مشروع ريمات، الذي فيه عدة عائلات من قضاءي صور والنبطية، بعد خروجنا من البلدة بثيابنا فقط تحت قصف الطيران الاسرائيلي، فلجأنا الى مشروع الاستاذ سيروب في ريمات بعد تواصلنا مع بعض الاصدقاء .”
وأضاف” لقد فوجئنا بهذه الخطوة الطيبة، هذا الرجل الذي يحمل الحس الوطني ويطبقه بين اهله واخوته . وقام بتأمين الطعام والشراب لنا على نفقته الخاصة، وهذا عمل لا يقدر بثمن، خصوصا انه يحرص على متابعة اوضاعنا وحاجاتنا مع الجهات المعنية لتأمين لنا جميع المساعدات بعد ان تم تحويل مشاريعه في المجيدل وريمات الى مركزي ايواء.”

وأشار ديب الى حاجة الماسة الى وسائل التدفئة ونحن على ابواب الشتاء والأجواء الباردة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى