برّي لـ”الجمهورية”: طريق الرئاسة معروف
كتبت “الجمهورية” تقول: المنطقة تنازع، في ظلّ العدوانية الإسرائيلية المتمادية قتلا وتدميرا وتهجيرا في قطاع غزة، والمتمدّدة بالوتيرة ذاتها إلى الضفة الغربية. وفي موازاتها مفاوضات معقدة، وجبهات تغلي بالتوترات والتهديدات والاستعدادات للمواجهة.
مفارق.. ممنوع المرور
وإذا كانت المنطقة تقف في نقطة الوسط بين مفترقي الحرب واللاحرب، فإنّ الوضع اللبناني لا يقلّ حيرة وارباكا وضبابية حيث أنّه يقف على مجموعة مفارق مفتعلة مفخخة بموانع سياسية وحسابات وشعبويات ومصالح ورهانات وارتهانات، تجمّده في حفرة الازمة، وتزرع في طريقه لافتات “ممنوع المرور” تمنعه من التقدّم ولو قيد انملة، نحو نوافذ الانفراج.
لم يسبق أن شهد بلد في العالم ما يشهده لبنان من عدم الاستقرار في كل مفاصله، واختلافات جوهرية وتناقضات وحتى عداوات، ليس على الأساسيّات فقط، بل حتى على الثانويات، وللدقة اكثر، على أتفه الثانويات.
لبنان على منصة التصويب، وقرقعة طبول الحرب تصم الآذان، وبدل أن تجمع المصيبة مكوناته السياسية، وتقنعها بحاجة البلد الى اعادة انتظام حياته السياسية ومؤسساته الدستورية في ظرف هو الاصعب في تاريخ لبنان، تفرقت اكثر مما هي متفرقة، ومسمرت نفسها في مواقعها الممسمرة فيها اصلا منذ بداية الازمة، وقبل الشغور الرئاسي الذي يدخل غدا شهره الثالث والعشرين، كخطوط متوازية يستحيل أن تلتقي.
الى السجال .. درّ
تلك المكونات، نجحت وبامتياز، في جعل فترة الشعور الرئاسي ملهاة للشروط والتعجيز ومواصفات التحدي والاستفزاز. واذا كانت التطورات الحربية من غزة الى جنوب لبنان قد نحّت هذه الملهاة لبعض الوقت خارج السجال الاعلامي، دون ان تغير في مواقف أطراف الإنقسام الرئاسي شيئا، بل على العكس، ظهّرت ما هو أسوأ من الانقسام، باستثمار على الحرب ورهانات على نتائجها لعلها تُجيّر لغلبة هذا الطرف او ذاك. إلا ان مؤشرات تراكمت في الفترة الاخيرة ورافقت الحديث المتجدد عن توجّه لاعادة تحريك الملف الرئاسي، تبنىء بعودة متجددة الى استئناف هذه الملهاة وما يرافقها من سجالات وتكرار للشروط المانعة انتخاب رئيس للجمهورية.
موعودون بشيء ما
واستفسرت “الجمهورية” مرجعا سياسيا، حقيقة ما يتم تداوله حول الملف الرئاسي، والحضور الاعلامي اللافت في توقيته للسفير المصري علاء موسى على الخط الرئاسي، فأكتفى بالقول: ليس في يدنا شيء حتى الآن، ولكنّنا موعودون بشيء ما خلال شهر ايلول”. من دون ان يضيف اي تفصيل آخر، او يحدّد من هو الواعد، او مضمون الوعد، وكيفية تحريك الملف الرئاسي اكان بالطريقة السابقة، وهذا معناه العودة الى المراوحة من جديد في مدار المواقف المتعارضة. او بطريقة جديدة وافكار جديدة من النوع الذي يقود فعلا الى احداث اختراقات في الجدار الرئاسي.
بري: طريق الرئاسة معروف
في هذه الأجواء، أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري الى “الجمهورية” قوله: الدعوة الى انتخاب رئيس قائمة في كل لحظة، وخصوصا أن لبنان في حاجة ملحة الى رئيس للجمهورية أمس قبل اليوم ، واليوم قبل الغد.
وعما يحكى عن حراك رئاسي، اكد بري انه مع اي حراك يفضي الى انفراج رئاسي، وقال: لا شيء يمنع انتخاب رئيس للجمهورية على الاطلاق، بل ان الظروف التي نمر به، توجب ذلك.
ولفت بري الى “أن مسار الرئاسة معروف، وسبق ان حددته مرات ومرات”. ملمحا بذلك الى ثلاثية “تشاور فتوافق فانتخاب”. التي تشكل جوهر مبادرته التي اطلقها حول حوار او تشاور لفترة محدودة سقفها سبعة ايام، يصار خلالها الى التوافق على اسم، او مجموعة اسماء، يلي ذلك النزول الى مجلس النواب لعقد جلسات متتالية بدورات متتالية، حتىت انتخاب رئيس للجمنهورية من بين الاسماء المتفق عليها.
وقال: كانت امامنا فرص عديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، ولكن مع الأسف لم نستفد منها. ولكن الفرصة ما زالت متاحة لذلك، علما انهم لو سمعوا مني لكنا انتخبنا رئيسا، قلت لهم هذه مبادرتي للتوافق وجربوني، ومع الاسف لم يستجيبوا، والنتيجة كما شهدناها جميعا اطالة امد الشغور.
في مجال آخر، اعرب بري عن ارتياحه لتمديد مهمة قوات اليونيفيل في الجنوب، “والذي جاء باجماع اعضاء مجلس الامن الدولي، ولم يتغيّر حرف واحد ممّا وافق عليه لبنان، وفي ذلك تأكيد متجدد على القرار 1701 الذي يتمسك به لبنان ويلتزم به نصا وروحا”.
هذه الأمور، اضافة الى التطورات في الميدان الفلسطيني في ظل العدوانية الاسرائيلية المتمادية اجراما وتدميرا في قطاع غزة والضفة الغربية، وكذلك تطورات الوضع على الحدود الجنوبية، سيتناولها الرئيس بري ويحدد الموقف منها في الخطاب المتلفز الذي سيلقيه بعد ظهر اليوم من مقر رئاسة المجلس في عين التينة لمناسبة الذكرى السادسة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر.
المجلس يستأنف نشاطه
في سياق مجلسي متصل، يعود مجلس النواب الى العمل بعد انتهاء عطلة آب. وستستأنف اللجان النيابية جلساتها اعتبارا من يوم بعد غد الاثنين، لدراسة واقرار مجموعة من مشاريع القوانين المدرجة في جداول اعمالها. واكد رئيس المجلس انه سيبادر الى الدعوة الى جلسة تشريعية حال انتهاء مطبخ اللجان من انضاج المشاريع المطروحة امامها.
ويتزامن مع انجاز وزارة المالية لمشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2025، حيث احال وزير المال يوسف خليل المشروع الى رئاسة الحكومة. حيث ينتظر ان يعقد مجلس الوزراء سلسلة جلسات خاصة بالموازنة قبل احالتها بمشروع قانون الى مجلس النواب لدرسه واقراره ضمن المهلة القانونية.
عدوانية مجنونة
ميدانيا، زنار النار يلف الجبهة الجنوبية، مع استمرار الاعتداءات الاسرائيلية التي تتواصل بوتيرة مكثفة على المناطق والبلدات اللبنانية، فيما آلة القتل الاسرائيلية ماضية في حرب ابادة البشر والحجر في قطاع غزة والضفة الغربية. وفي هذه الاجواء، لا أحد يستطيع أن يحدّد مدى تدحرج كرة النار، ولا الوجهة التي ستسلكها المنطقة تبعا لذلك، وإن كأنت الوقائع العدوانيّة تشي بأنّ احتمال الحرب الواسعة هو الأقوى. في وقت يبقى الغموض هو السيد في ما خص الرد الايراني على اغتيال هنية.
وتعزز احتمالات التصعيد بعض التقديرات المتشائمة التي تعتبر ان اسرائيل مطلقة اليدين في عدوانية مجنونة بلا حدود، ولا رادع لها، وأن العقل الخبيث الذي يديرها يبدو وكأنه يضرب عرض الحائط كلّ التحذيرات الدولية من مخاطرها وعواقبها المدمرة. ويتلمّس الطريق الى اسقاط المنطقة برمتها في حرب واسعة انفاذا لمشروع اسرائيلي لتغيير وجه المنطقة.
تعويل على المفاوضات
على انّ ما يلفت الانتباه في موازاة ذلك، تقديرات متفائلة تعلق آمالا كبرى على الدفع الأميركي للمفاوضات لبلوغ تسوية عاجلة. وهذا التفاؤل تشارك فيه ديبلوماسيون غربيون بحديثهم عن تأكيدات اميركية تقلل من احتمالات الحرب برغم الاجواء المشحونة، وتجدّد عزم ادارة الرئيس جو بايدن على وقف الحرب القائمة منذ احد عشر شهرا في قطاع غزة، وإحداث نافذة انفراج واختراق ايجابي في مفاوضات وقف اطلاق النار وبلوغ صفقة تبادل في المدى القريب المنظور، بما يؤدي تلقائيا إلى إطفاء التوترات في كل ساحات المواجهة، وخصوصا على جبهة جنوب لبنان، بل ويطوي ايضا صفحة التهديد الايراني بالرد على اسرائيل”.
المفاوضات مستمرة .. وتتقدم!
يشار في هذا السياق، الى ان الاعلام الاسرائيلي بدأ يتحدث عن بعض التقدم في المفاوضات، مركزا في الوقت ذاته على رفض جنود اسرائيليين للعودة الى القتال في غزة بالنظر الى الصعوبات التي يواجهونها.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية: “إن مفاوضات الصفقة مُستمرة، بينما يُستنفد الوقت مع تزايد مخاوف الردّ الإيراني، ما زال هناك قلق إسرائيلي من انفجار المفاوضات وتطوّر الصراع إلى حربٍ إقليمية . فرق عمل من الموساد والشاباك والجيش ما زالت في الدوحة تستكمل المحادثات على بعض القضايا، والأطراف اقتربت من التواصل لتفاهم حول بعض النقاط، حيث شهدت تقدمًا في هوية الأسرى الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم وخطة نشر القوات في غزّة، ومفاتيح الإفراج عن الأسرى وغيرها . الا ان الخلاف الأهم على فيلادلفيا ونيتساريم، سيؤجل إلى النهاية، إنطلاقًا من استراتيجية أميركية لمحاولة إغلاق مُعظم الخلافات، وحشر بنيامين نتنياهو في الزاوية ومطالبته بالمرونة في النقطتين الرئيسيتين”.
ونقل موقع “واللا” الاسرائيلي عن مسؤولين اميركيين “ان اسرائيل و”حماس” احرزتا تقدما في المفاوضات، ولكن لم تتوصلا الى اتفاق بعد”، مشيرا الى “ان الايام الاخيرة شهدت تقدما ملحوظا. وقد مرّر الطرفان من خلال الوسطاء قوائم باسماء الاسرى الذين يريدان اطلاق سراحهم. وخلال المفاوضات في الدوحة والقاهرة هذا الاسبوع، بدأ الطرفان في مراجعة الاسماء ومناقشة كل منها”.
وفيما نقلت صحيفة يديعوت احرونوت عمن سمته مسؤولا اسرائيليا مطلعا قوله”هناك ارضية مشتركة اكثر من قبل للتوصل الى اتفاق”، اشارت الصحيفة نفسها الى ان اجتماع الكابينيت قبل ساعات شهدت مواجهة هي الأخطر حتى الآن بين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهة ووزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت. ونقلت عن نتنياهو قوله في الاجتماع: “ان واشنطن والقاهرة وافقتا على خرائطه فرد غالانت ان النقاش ليس معهما بل مع السنوار”.
ونقلت عن غالانت قوله في الاجتماع :ان قبول صفقة التبادل سيبرّد ردّ إيران ويتيح التوصّل إلى اتفاق على الجبهة اللبنانية، وحذر وزراء الكابينيت من تصعيد اقليمي إن لم تقبل اسرائيل بصفقة التبادل”.