محليات

عناصر الدفاع المدني في جبل لبنان الجنوبي يواجهون الموت يوميا خلال مهماتهم بأجساد عارية وآليات معطلة..

بيروت – أحمد منصور
خط الدفاع الأول، الذين يندفعون بعزم إستجابة لنداء الإغاثة، إنهم الجنود المجهولون المعلومون، عناصر الدفاع المدني الميامين، المنتشرون على الأراضي اللبنانية كافة، من خلال مراكز اقليمية، الأبطال، الذين هم حبل الإنقاذ في الملمات . ومن هذه المراكز، المركز الإقليمي في جبل لبنان الجنوبي، حيث يعيش عناصره، أوضاعاً مأساوية ومعاناة مزمنة، نتيجة تدهور الأوضاع الإقتصادية والمالية في لبنان منذ العام 2019 والتي انعكست سلبا على كافة مرافق الحياة، فتراهم يصارعون ويواجهون بأجسادهم العارية الموت يومياً، خلال عمليات إخماد الحرائق التي تشهدها المنطقة بكثافة، لإفتقارهم للعتاد والالبسة الواقية من النيران .
وما يزيد من تلك المعاناة والصعوبات، أن معظم آليات الإطفاء متوقفة عن العمل، نتيجة الأعطال التي تطرأ عليها أثناء مهمات إخماد الحرائق، بعد ان باتت تفوق امكانات المديرية العامة للدفاع المدني، بسبب إرتفاع كلفة الصيانة وقطع الغيار بعد التصاعد الجنوني للدولار الأميركي، الذي بات يلامس الـ 100 ألف ليرة منذ خمس سنوات، بعد أن كان 1500 ليرة .
هذا الوضع الصعب، دفع بالقيمين على هذا الجهاز اللجوء الى الخيرين في المنطقة من رؤساء بلديات وجمعيات وأهالي، طلبا للمساعدة في متابعة مسيرة الدفاع المدني، وحماية للبيئة والطبيعة التي يتميز بها لبنان، وقد سجل تجاوب كبير في هذا المجال، إلا ان تفاقم الأزمة وإستفحالها، شكلت حاجزا امام وجود الدفاع المدني على الخارطة وصموده اامام التحديات والملمات التي تضرب الوطن بمختلف قطاعاته، سيما وانه يعتبر خط الدفاع الاول في عمليات إخماد الحرائق والانقاذ خلال الحوادث والظواهر البيئية وحتى الاحداث الامنية.
يضم المركز الإقليمي في جبل لبنان الجنوبي، الموجود في بلدة شحيم، 5 مراكز هي : شحيم الاقليمي والعضوي، برجا العضوي، المطلة العضوي والدبية العضوي، وتشمل مهمات هذه المراكز، القرى والبلدات من نهر الدامورغرباً، وصولا الى بلدة بعقلين شرقا، وجنوباً حتى نهر الاولي، وتدخل في نطاق كل مركز مناطق حرجية كثيفة.
اما بالنسبة للآليات فكل مركز يضم آلية اطفاء واحدة، علما ان هذه الآليات اصبحت قديمة العهد وهي بحاجة الى اعادة تأهيل، لانه في ظل الوضع الإقتصادي المتردي الذي نعيشه، هناك صعوبة في تأهيل الاليات بالشكل المطلوب والصيانة، لذلك يتم تجزئتها على عدة مراحل ..
مركز شحيم يوجد فيه سيارتا اطفاء، واحدة كبيرة وأخرى صغيرة، وهذه تستعمل لحوادث السير والاطفاء في المناطق الضيقة، التي لا تصل اليها السيارة الكبيرة، بالإضافة الى سيارة بيك اب ورافعة وبوبكات . هذا المركز بأمس الحاجة الى سيارة اسعاف، لانه لا يوجد سيارات إسعاف في المراكز المتبقية باستثناء المطلة، خاصة وان الوضع الامني غير مستقر والحاجة تزداد للاسعاف ..
في مركز المطلة تعمل سيارة اطفاء وسيارة جيب وسيارة إسعاف، وفيه موظفين ومتطوعين. اما مركز الدبية فيضم سيارة اطفاء واحدة وهي معطلة منذ ثلاثة أشهر، علما ان نطاقه الجغرافي واسع وفيه مناطق حرجية كثيفة، ويبلغ عدد عناصره 18عنصرا مع رئيس المركز .
وبالنسبة لمركز برجا العضوي، هناك رئيس مركز وإدارية و 12 موظفا، اي 16 عنصرا، ويوجد فيه سيارة اطفاء شغالة.

دحروج
رئيس المركز الاقليمي للدفاع المدني في جبل لبنان الجنوبي حسام دحروج، أشار انه “لا يوجد حدود جغرافية لعمل الدفاع المدني”، مؤكدا “ان عملياتنا تطال كل المناطق، حيث ساهمنا مؤخرا عدة مرات في إخماد حرائق في الجنوب، ومنها في بلدة علما الشعب اثناء القصف بالقنابل الفوسفورية”، وشدد على “ان الدفاع المدني جسم واحد، وكل عملياتنا متداخلة مع بعضها البعض، وان المركز الضعيف بالآليات يأتيه الدعم من المراكز الأخرى..”

وتحدث دحروج عن أبرز المعوقات، مؤكدا ان معظم الآليات معطلة، وباتت قديمة العهد، وأحدثها عمرها 24 سنة، وان كل مهمة تنفذ ينقص من عمرها 3 سنوات، ناهيك عن خطورة الطرقات الوعرة والترابية التي هي نطاق عملنا، وتتسبب بإستهلاك الدواليب والأعطال”، معتبرا “اننا نعيش في دوامة، اذ ان السيارة التي تتعطل، تستغرق وقتا طويلا لاعادة اصلاحها، وقد يكون طرأت أعطال أخرى عليها.”
وأكد “ان المعوقات الأساسية هي إفتقارنا للتجهيزات والألبسة الخاصة بعمليات الإطفاء، فعناصرنا ليست محمية، نحن نصارع النار بألبسة بالية وأجساد عارية.. لذلك نحن معرضون للموت بفعل ذلك بين لحظة وأخرى . كما واننا معرضون لحالات الإختناق من قوارير الهواء التي بات عمرها اكثر من 30 سنة، بسبب ترسبات مادة “الفيبر”، وهذا ما يدفعنا الى استخدام الوسائل البدائية في اطفاء الأماكن المغلقة، حيث نقوم بربط البسة قطنية على وجهنا بعد وضع المياه عليها، لمنع تنشق الدخان خلال اطفاء الحريق..”
أضاف: “ان المنطقة التي نعمل ضمن نطاقها جبلية وحرجية، ولا تتوفر فيها الطرقات، والعائق الاكبر في هذه المناطق وجود ألغام وقذائف من مخلفات الحرب الأهلية التي شهدتها المنطقة . لذلك قمنا بالتواصل مع وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين، حيث سيتم تأمين سيارات رباعية الدفع، ومجهزة بخزانات مياه صغيرة، لإستخدامها في مثل هذه المناطق للحد من انتشار الحريق، مشددا على أهمية وضرورة تأمين مصادر المياه لسيارات الاطفاء.”
واشار الى “انه في هذا المجال تقدمنا بعدة اقتراحات، أهمها ضرورة وضع خزانات معلقة داخل المناطق الحرجية، واستحداث مآخذ من شبكات المياه القريبة من المناطق الحرجية، وتكون متناسقة مع مآخذنا، حتى نستغل الوقت ونعمل على الحد من الأضرار”، لافتا الى “وجود ماخذ واحد للدفاع المدني في بلدة مزبود”، مشيرا الى “ان الموضوع يرهقنا، اذ ان الوصول الى المأخذ يتطلب وقتا طويلا، وقد يكون الحريق عندها توسعت رقعته، لذلك نناشد مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان وبلديات المنطقة، إستحداث مأخذ لسيارات اطفاء الدفاع المدني عند مواقع الآبار الإرتوازية التي تغذي بلدات المنطقة بالمياه”، لافتا الى” اننا نستعين في المناطق الحرجية البعيدة والمواقع الخطرة، والتي لا تصلها سيارات الاطفاء بطوافات الجيش اللبناني.”

وختم بالقول:” نحن على هذا الحال الى ما شاء الله لتبديل الاحوال الى افضل حال.”
الوزير ياسين
من جهته أشار وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين الى “الأنباء”، انه”منذ ثلاث مواسم، ونحن نعمل على تخفيض حرائق الغابات ونشر الوعي، مع مجموعات الرصد التي تعمل مع الدفاع المدني والبلديات والمتطوعين، واستطعنا خلال عامين تخفيض المساحات المحروقة في كل لبنان، وذلك من خلال طريقة العمل التي اتبعناها . ”
وأثنى ياسين على التضحيات التي يقدمها عناصر الدفاع المدني، مشددا على “ضرورة أن نقف إلى جانبهم، لأنهم يحاربون “باللحم الحي”، مؤكدا “على أهمية وجود هذه المؤسسة في البلاد، والتي تسهم في الحفاظ على طبيعة لبنان الخضراء وبئته الجميلة .”
واشار الى انه “سيتم تزويد الدفاع المدني بسيارات صغيرة رباعية الدفاع للمساهمة في اخماد النيران في الأماكن الوعرة والجبلية..”
وشدد ياسين على “ضرورة تضافر الجهود والتعاون لازالة كل المعوقات في مواجهة الحرائق، التي تشهد تزايدا لافتا، لا سيما في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة والمناخية الساخنة بفعل ارتفاع درجات الحرارة ..”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى