متفرقات

“قُلُّنْ إنَّـكْ لبناني”

بقلم : الوزير السابق جوزف الهاشم

من عادتي في ما أكتـبُ من مقالات أنْ أستشهد بكبار الفلاسفة والأدباء والشعراء وسيرة الأنبياء ، دعماً لرأيٍ أو تأكيداً لِفكـرة ..
ولكنّني ارتأَيْتُ هذه المـرّة أنْ أستشهد بأُغنيـةٍ للفنان اللبناني عاصي الحلاّني : “قُلُّنْ إنك لبناني” .
ورأيت أن هذه الأغنية قـدْ تُغْنـي في مجال الإنتماء الوطني عمّـا جـاء في الأقوال الفلسفية والأدبية وكتب الديانات ، بأنّ حـبَّ الوطن من الأيمان .
…”وطنَكْ دينَكْ قُلُّنْ إنـكْ لبناني …”
“وقُلُّنْ” : إذا لم تتداركوا واقع لبنان بما هو عليه الآن ، فإِنّـهُ سيشهد مزيداً من تفكُّك الحلقة الأخيرة المتبقِّيـة من هيكلية الدولة وعلى رأسها المؤسسات العسكرية والأمنية .
لا تزال هذه المؤسسات العسكرية والأمنية في ما تبقّى من هذه الدولة تشكلّ القشَّـةَ على ظهـر البعير ، فإذا تعرّضَتْ هذه المؤسسات للتصدُّع ، نصبحُ أمام مجالس عـزاءٍ لوضـعٍ إقتصادي خطير ، ووضـعٍ حياتي خطير ، ووضع أمني خطير ، أي لوضـع وجودي خطير ، يتخبّط في بحـرٍ من النزوح السوري ، مع احتمال التوطين الخطير على المصير .
“وقُلُّـنْ ..” إذا كان المصير اللبناني : السيادي والسياسي والأمني والإقتصادي والرئاسي مرتبطاً بما يقرّره الجنون الإسرائيلي في غـزّة .
فإنِ استمّرتِ الحرب في غـزة استمَّرتْ الحرب في لبنان .
فتبقى غـزّة مصلوبةً على جُلجلةِ الأرض المحروقة ، ويبقى لبنان مصلوباً على جلجلةِ قصر بعبدا … وفي غـزّة كما في لبنان لا يزال أهل الضحيّة يساهمون في جلدها .
هناك انقسامٌ فلسطيني حـول غـزة تكاد تصبح معه غزّتين …
وهناك انقسامٌ لبناني حـول غـزّة يكاد لبنان معه يصبح لبنانين …
في فلسطين : القيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق يتَّهم منظمة التحرير “بأنّها حارسُ إمـنٍ لإسرائيل” …
وقياديون في حركة فتح يتّهمون حركة حماس “بأنّها تنفّـذ مشروعاً إيرانياً …”
وفي لبنان : هناك فريق يتّهم الآخر بأنّـه حارسٌ لأمـن إسرائيل …
وفريق يتّهم الآخر بأنـه ينفِّـذ مشروعاً إيرانياً .
ماذا يعني : هذا الإندماج اللّصيق بين الطوفان الأقصى في غـزّة ، والطوفان الأقصى في لبنان …؟
هل هو يكشف حقيقة هذا التباين اللبناني العميق حـول هويّـة لبنان القومية والتاريخية والسياسية والرسالية والسيادية وتكوينـهِ التعدّدي …؟
وهل هذا يعني : أننا لم نعد نعرف وجـهَ لبنان الحقيقي وقـدْ تغطّى بالوجوه المستعارة ، وأن لكلِّ فريقٍ في لبنان لبنانَـهُ الخاص ، وإن هناك ولاءَين بلبنان وإيمانين متناقضين ، فإمّا أن يلتقيا إلى حـدِّ الإندماج ، وإمّـا أن يفترقا إلى حـدّ الإنفصال ..؟
عندما يكون الوطن وطنين فكلُّ واحدٍ يحاول اغتيال الآخر .
وإذا كان كلّ فريق يخـوِّن الآخر ، فكيف يقوم وطنٌ ، بين وطنيٍّ وخائن ، أو بين فريقين خائنين …؟
أيها الناس صلّـوا على النبيّ القائل : “اللهُمَّ حبِّـبْ إلينا المدينةَ كحبِّنـا لمكّـة وأشدّ ..”(1) واسمعوا الحـقّ الحـقَّ الذي يقوله لكم المسيح : فحبّ الوطن من الإيمان .
ليس لأيٍّ منكم لبنان آخـر ، وليس في العالم لبنان آخـر ، رسالةَ حضارةٍ كونيةٍ إلى العالمين ، إنّـه السلاح الأمضى لأيّ طوفان .
غداً ، عندما تتـمّ التسوية الدولية بترجيح مصالح الدول الكبرى على حساب الدول المقهورة الصغرى ، ستأتيكم كلمةُ السرّ عبـرَ اللجنة الخماسية الدولية ، وإذْ ذاك ستصلّون على النبيّ ، وتصلِّبون بالخمسة .
ولكن ، متى تتعلّمون معنى وصيِّـةِ زعيم الحقوق المدنية الأميركي : “مارتن لوثر كينـغ” الذي يقول : “علينا أن نتعلّم كيف نعيش معاً كأخوة ، وإلاّ فسوف نهلك معاً كأغبياء …”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – قولٌ للنبيّ : رواه البخاري بما يعني الإيمان الوطني .

عن جريدة الجمهورية
بتاريخ : 5/7/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى