حوارٌ حـول رأسٍ مقطوع
بقلم : الوزير السابق جوزف الهاشم
يقولون : إنّ في اللُّغة العربية 250 إسماً للناقة ، و200 إسمٍ للحيّـةِ : ولو شاء علماءُ اللّغـةِ والقانون أنْ يُحْصوا ما بلغَـهُ عـدد أسماءِ الحوار عندنا ، لكان تخطّى أسماءَ الناقـةِ والحيَّـةِ وسائر أنواعِ الإبْـلِ والأفاعي .
منذ أنْ كان الحوارُ الأوّل بين الحيّـةِ وحـوّاء في الفردوس ، كان ذلك السقوط الصاعق من الجنّـةِ إلى النار …
وإذا كان الله قد فتَـح بـابَ الحوار مع إبليس – “كما جاء في القرآن –”، كمثل ما خاض المسيح حواراً شرِساً مع الشيطان في تجلِّيـهِ على الجبل …
إلاّ إنّـهُ لم يسبَقْ أنْ كان حـوارٌ بين الشياطين والشياطين في جهنَّم .
لنفترض : أنّـه تـمَّ الإتفاقُ على الحوار بفعْلِ ضَـربَـةِ شمسٍ أوْ حرارةِ في الرأس ، فعلى أيِّ رئيس يتَفـقُ المتحاورون ، ما دام الإستحقاق الرئاسي أصبح أشبهَ بالمستحيل ، يُضافُ إلى المستحيلاتِ الثلاثة عند العرب : “الغـولُ والعنقاء والخُـلُّ الوفي …”
أيُّ جدوىً بعدُ ، من المساعي الدولية عبر اللجنـة الخماسية ، أو عبرَ “شكراً قطـر” حين يبشّرنا الموفد الفرنسي “جـان إيف لودريان” بأنّ “لبنان السياسي قد انتهى” … وأيُّ دواءٍ ينفـع المريض الرئاسي وهو في حالةِ الموت السياسي …؟
طرحتُ في مقالٍ سابق : أنْ يبادر المجلس النيابي إلى حـلِّ نفسه ، أو أنْ يدعو إلى انتخاباتٍ نيابيةٍ مبكرة ، وهو العلاج الأجدى للمرض الدستوري المستعصي ، فلم أسمع أحداً من القيادات المعنيّـة قـدْ استجاب برمشةِ جفـنٍ لهذا الطرح ، ما دامت القاعدةُ الثابتةُ للقيادات الثابتة : أنا .. أوْ لا أحـد .. أنا … ومن بعدي الطوفان …
طوفانٌ واحـدٌ قـدْ أدّى إلى حـرب … فكيفَ إذا كان هناك طوفانانِ إثنان معاً … وإلاّ قولوا مع المثلِ الفارسي : “إذا صمَّمتَ أن تكون مع نـوح فعليكَ ألاَ تخافَ من الطوفان ..”
أبـرزُ ما لفتَـني أخيراً ، قـولٌ لغبطةِ البطريرك الماروني ، وهو يدعو السياسيين في إحدى عِظاتِـهِ “إلى استلهام الروح القُدس لإنجازِ الإستحقاق الرئاسي …”
وأبـرزُ عِظـةٍ في المقابل للفيلسوف الفرنسي “فولتير” حين يقول : “إنّ الرؤوسَ المصابَـةَ بالتعصُّب تصبح أمامها القوانين عاجزةً ، لأنّ المتعصّبين يقتنعون بأنَّ الـروحَ القُدس يتمثّلُ فيهم …”
لقد تعبَتْ يـدُ البطريرك الماروني وهي تقـرع الأجراس ، ولكنَّ المهمّ أن يؤدي قـرْعُ الجـرس إلى قيام القدّاس ، فيما الأجراسُ عندنا غالباً ما تُقْرعُ للجنازات لا للقداديس .
إلى أيِّ حـوارٍ يدعون …؟ وعلى ماذا يكون الحوار …؟
على رئاسةٍ منتهكةٍ بالتحرُّش الدستوري …؟ على سيادةٍ في سوق العبيد، على دستورٍ مغدور ، على جمهوريةٍ قيـدَ الدرس ، على دولة الرجل المريض ، على وجود لبنان التاريخي والديمقراطي ، في لبنان… أو على وجود لبنان اللبناني في لبنان … ووجود لبنان الرسالة على الخريطة الكونية : العربية والدولية …؟
وكيف يكون الحوار …؟ ما دامت الأسنان التي تضحك هي نفسها الأسنان التي تعضّ …؟
لقدْ جعلوا ، من هذه الجمهورية جثَّـةً بلا رأس ، وبـات يتوجّبُ أن يركّبوا عليها رأساً ، حتّى ولو كان رأس الملك الفرنسي لويس السادس عشر ، الذي قطَعَتْـهُ الثورةُ الفرنسية بالمقصَلة …
عن جريدة الجمهورية
بتاريخ : 21/6/2024