كترمايا «أم الشهداء» تتذكر اليوم المشؤوم للمجزرة الإسرائيلية على منازلها وأحيائها
بيروت ـ أحمد منصور
بعد 41 عاما على المجزرة الإسرائيلية في بلدة كترمايا في إقليم الخروب (قضاء الشوف) في جبل لبنان، لا يزال المشهد والصورة على حالهما بالنسبة إلى العدوان الإسرائيلي المحتل للأرض العربية.
وروى عدد من أبناء كترمايا لـ «الأنباء»، التي هي من كبرى بلدات إقليم الخروب وأشبه بمدينة، ولا يزال أهلها يتذكرون لحظات ذاك اليوم المشؤوم، في الأول من شهر يونيو من العام 1982، عندما ألقت الطائرات الحربية الإسرائيلية صواريخها على الأحياء السكنية في وسط البلدة، التي كانت هادئة ومسالمة.
أسفر الاعتداء الإسرائيلي عن سقوط 40 شهيدا وعشرات الجرحى ومنهم عدد من المفقودين. واعتبر الأهالي أنه بسبب هول المجزرة والمشاهد المروعة والرعب والخوف، رأوا الموت بأعينهم، وأنهم نزلوا إلى قبورهم، ومن ثم خرجوا منها دون أن يدروا كيف تم ذلك، نظرا إلى حجم الدمار والصراخ والأنين من تحت الأنقاض، واعتقدوا وقتذاك في تلك اللحظات «أنها نهاية الحياة»، وأكدوا «ان كترمايا باتت تعرف ببلدة أم الشهداء».
تحدث القسم الأكبر من الذين عاشوا تلك الفترة وهم يذرفون الدموع. منهم من فقد والديه، والبعض الآخر فلذات أكباده، أو أشقاء أو أقارب. وكان إجماع على «ان هذا اليوم الدامي، لا يمكن أن ينسى، وسيبقى راسخا في الذاكرة مهما طال الزمن، اذ كنا في بيوتنا آمنين، والبعض منا كان يتنقل في الشوارع لتأمين حاجاته على وقع هدير الطائرات الحربية الإسرائيلية، التي كنا نشاهدها بأم العين وهي تحلق في الاجواء، وعلى علو منخفض. ولم يكن في حسباننا اننا سنكون أهدافا لتلك الطائرات (…) إلى ان حدث الزلزال الإسرائيلي، ودمرت غالبية المنازل على رؤوس سكانها في مشهد لم تشهده البشرية والإنسانية جمعاء».
اليوم وبعد 41 عاما، لملمت كترمايا جراحها كغيرها من المناطق اللبنانية الأخرى، ولكن هذه الجراح لاتزال مفتوحة في العديد من المناطق. والسبب النزف المستمر بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر، والراسخة بصماته في كل القرى والبلدات اللبنانية.
وانطلاقا من قدسية المناسبة وأهميتها، يحرص أهالي كترمايا بمختلف انتماءاتهم، على إحيائها سنويا، للتذكير بدماء الشهداء التي روت أرض كترمايا والوطن كله، في الجنوب والبقاع والشمال وبيروت.
وتحولت المناسبة إلى لقاء جامع، فتم إقامة نصب تذكاري للشهداء عند المدخل الغربي للبلدة إلى جانب الطريق العام الرئيسية لإقليم الخروب، توضع عليه أكاليل الزهر بين حين وآخر، تخليدا لهذه الدماء الذكية.
في هذا الإطار، قال عضو اللقاء الديموقراطي النائب بلال عبدالله لـ «الأنباء»: ان ما تقوم به إسرائيل اليوم في غزة وجنوب لبنان، دليل واضح على حقيقة وجه هذا العدو الصهيوني، الذي يحاول كسر إرادة الشعوب العربية، إمعانا بالاحتلال والهيمنة على أرضنا وثرواتنا، في محاولة لتغيير تاريخ وهوية هذه المنطقة، عبر استمرار احتلالها وتخريبها وتدنيسها.
وأضاف: المجزرة الصهيونية بحق أهلنا في كترمايا، تؤكد على همجية هذا العدو الذي أغار بطائراته على المدنيين العزل، وكانت الحصيلة مروعة، وستبقى محفورة في اعماقنا. ونؤكد ان منطقتنا كانت وستبقى عربية مهما كانت التحديات من هذا العدو، وهي مناضلة، وخزان الوطنية والعروبة والعيش المشترك، ورجال العلم والثقافة والفكر.
بدوره، قال رئيس المجلس البلدي المحامي يحيى علاء الدين لـ «الأنباء»: مرت عشرات السنين على ذكرى مجزرة شهداء بلدتنا الحبيبة، ولم يتغير حتى اليوم نهج وفكر العدو الإسرائيلي، في قتل المدنيين والأبرياء، من النساء والأطفال والشيوخ. وخير دليل على ذلك ما نشهده ويحصل في فلسطين وجنوب لبنان، اذ يؤكد العدو للعالم أجمع بأن الغطرسة والهمجية والإبادة الجماعية والإجرام، قد ازدادت لديه أكثر وأكثر، من دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا، وهو يقف عاجزا وصامتا، لا بل البعض منه متواطئ في سفك الدماء البريئة من أطفال ونساء وشيوخ، من دون أي رحمة، إضافة إلى احتلال الأرض بالقوة وطرد أصحابها اذا ما كانوا على قيد الحياة. ان هذه المشاهد لن تمحى تلك من ذاكرة الأجيال والتاريخ، وستبقى وصمة عار على جبين المجتمع الدولي.