لبنان بعد مقتل رئيسي: استمرار السخونة أم اللهيب الحارق؟
كتب عارف العبد
هل تتأثر الأوضاع في لبنان والمنطقة بمصرع رئيس الجمهورية في إيران إبراهيم رئيسي والوفد المرافق؟
بطبيعة الحال، إن التأثير على المواضيع والملفات السياسية والأمنية، هو تأثير مباشر وكبير. إذ أن الرئيس الإيراني كان مؤثراً في كل هذه الملفات، وعلى وجه الخصوص وزير الخارجية الذي كان يتابع ويشرف، على كل السياسة الخارجية الإيرانية، وما يتصل بها وفيها.
وعلى وجه الخصوص، فإن وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، كان المشرف والمتابع لملفات المباحثات التي كانت تجري في أكثر من موقع مع الولايات المتحدة الأميركية، وآخرها في العاصمة العُمانية، مسقط.
أما كيف ستكون هذه الانعكاسات، وما مدى ارتباطها بلبنان والمنطقة، فإن الأجوبة بحاجة لتجاوز المرحلة الانتقالية التي ستمر بها إيران، بانتظار العودة إلى الاستقرار في شكل وموازين السلطة المقبلة.
في الجوهر، قد لا يكون التغيير في المقاربات الإيرانية كبيراً وسريعاً. خصوصاً أن المؤسسات المؤثرة في السياسات الإيرانية، لا تزال موجودة وحاضرة، وخصوصاً لناحية نفوذ وتوجهات المرشد الأعلى للجمهورية، السيد علي خامنئي. إضافة إلى سياسات وتوجهات القوة الفعلية المسيطرة والحاكمة في إيران، أي الحرس الثوري.
بانتظار اتضاح الموازين الجديدة والمقبلة في إيران، والمؤثرة على لبنان والمنطقة، فإن لبنان على الأغلب مستمر في حالة التخبط وانعدام الوزن المفتوح على احتمالات غير مريحة.
الثابت حتى الآن، أن الملفات الفعلية في لبنان، وعلى وجه الخصوص التطورات على جبهة الجنوب والمشاغلة، بالتوازي مع حرب غزة، مستمرة من دون توقف، طالما استمرت المواجهة في غزة، والتي لا يبدو أنها قد تتوقف قريباً. بل على العكس، فإن المعطيات المتجمعة تفيد باستمرار المواجهات إلى فترة طويلة مقبلة، وعلى وجه الخصوص مع انطلاق معركة رفح، التي من الظاهر أن إسرائيل ستكمل فيها وسط إجازة أميركية، أساسها مراعاة بعض الجوانب البسيطة والشكلية، التي لا تحرج أميركا والتي تطالب بمراعاة بعض الجوانب الثانوية، لا الجوهرية. كمثل التنبه الى الخسائر المدنية الفادحة!
أجمعت تحليلات غربية متعددة على اعتبار أن نجاح نتنياهو في الرد على الرد الإيراني بقدر مدروس في أصفهان، كما كانت ترغب أميركا، قد يبرر للأخيرة السماح له باستكمال هجومه على رفح.
بمعنى، أن نتنياهو برده المدروس والمحكم والمضبوط على إيران في أصفهان، قد مهد لنفسه وقواته، الطريق للهجوم المدروس على رفح. والذي يتم على مراحل. وهذا الاختبار المتنقل لإسرائيل بين ضرب أصفهان ورفح، قد يمهد لإجازة أميركية له بتوجيه ضربة إلى لبنان، أساسها استعادة مفهوم الردع التدميري الإسرائيلي، بعد أن حطمته معارك غزة مع حماس، وليس التوسع أو الاحتلال. وهذا، وسط معلومات نقلها دبلوماسيون مطلعون، تفيد أن الحكومة الإسرائيلية تريد تحقيق أمرين بخصوص لبنان:
الأول، إعادة سكان المستوطنات إلى منازلهم في المستعمرات الشمالية، المحاذية للحدود مع لبنان. والثانية، بطبيعة الحال إعادة الطلاب في إسرائيل الى مدارسهم قبل بدء العام الدراسي نهاية أيلول 2024 أي قبل نهاية الصيف المقبل.
لهذه الأسباب، فإن نتنياهو قد يركز على إتمام ما يريده في رفح، تمهيداً للانتقال إلى تنفيذ ما يطمح إليه مع لبنان.
هذا الأمر، يبدو على ارتباط وثيق بطريقة تصرف الجيش الإسرائيلي في رفح. وهل سينجح في تنفيذ ما يريد من دون إحراج كبير للإدارة الأميركية الحالية، المنصرفة إلى المعركة الانتخابية الرئاسية، أم لا ؟!
إزاء هذا الموضوع، هناك مجموعة من المقاربات، أولها أن إيران المصابة الآن والمرتبكة، بعد مقتل رئيسها، ووزير خارجيتها، قد تكون في وضع حساس قد يدفع الآخرين للتمادي، انطلاقاً من نظرية انشغالها وضعفها الحالي. أو يكون العكس، بمعنى أن إيران المجروحة الآن، قد تكون غير قابلة او مستعدة لتمرير أي تماد أميركي إسرائيلي تجاهها، في لحظة اعتقاد أعدائها بضعفها الآن، مما يتسبب بردود فعل غير محسوبة في كل الاتجاهات.
من هنا، فان المقاربة التي تتحدث عن توجهات إسرائيلية لضرب لبنان، لإعادة النازحين إلى مستوطناتهم والطلاب الإسرائيليين إلى مدارسهم، قبل بدء العام الدراسي المقبل، قد تتسبب بحرب واسعة وعنيفة، سعت الأطراف، كل الأطراف، إلى تجنبها حتى الآن.
في هذا الوقت، وبالتوازي مع الحديث المتكرر عن حلول أعدها هوكشتاين بخصوص لبنان وجنوبه، فيما يتصل بالحدود، فقد أبلغ الأخير، نواباً التقاهم، أن مزارع شبعا خارج البحث، لأنها سورية وليست لبنانية. ولبنان لم يثبت لبنانيتها حتى الآن، حسب قوله لهم حين التقى بوفد المعارضة.
لذلك، فإن هوكشتاين، ينتظر هدنة غزة للبحث في تركيز ترتيبات الجنوب ما بعد غزة.
هل ستكون أيام الصيف المقبلة، في لبنان حارقة أم ملتهبة؟ في ظل انشغال أميركي بانتخاباتها الرئاسية؟
حتى الآن، كما هو ظاهر، فإن السخونة في لبنان مستمرة. ومن المرجح أن تبقى، مع احتمال غير بعيد بتوسع اللهيب الحارق. إذ أن كل الاحتمالات واردة وكل السيناريوهات لا تزال ممكنة.