متفرقات

“قمم الأمم ودماء الشعوب”: بقلم الوزير السابق جوزف الهاشم


يقول الشاعر : عمر أبو ريشة في نكبة فلسطين .

أمَّتي كـمْ صنَمٍ مجَّدْتِـهِ لـمْ يكُنْ يحملُ طهرَ الصنَمِ

لا يُلامُ الذئبُ في عدوانهِ إنْ يكُ الراعي عدوَّ الغنَمِ .

سؤالٌ كبير يطرحُهُ المصير على مَدارِ الطاحونة الحمراء من التاريخ …

ألاَ تشكّل هذه الملحمةُ في قطاع غـزّة عِبْـرةً وحافزاً لعقد قمّـة عربية – إسلامية بعنوان : التقاتل الذاتي وحقوق الإنسان …؟

هلْ سأَل سائلٌ عربيّ رفيع المقام : ملكاً كان أو رئيساً أو حاكماً أوْ مجلس شرْعٍ وشرائع ..

لماذا هذا العالم العربيّ من دون سائر الأمـم كان على مدى أجيال ولا يزال غارقاً في ميادين التقاتل والقتال ، فإذا أيـامُ الحروب عنده تَطْغى على أيـام السلام ..؟

ولماذا هذا العالم يتصارع مع نفسه ومع غيره بالحدود الدموية ، ولا يتصالح فيه المتخاصمون إلاّ بالموت …؟

تفضّلوا وانظروا إلى خريطة العالم العربي مقارنةً بعالم الغرب .. دولٌ تتقاتل فيما بينها ، وبينها وبين الشقيقات ، وبين الحاكم والشعب ، وبين الشعب والشعب ، وبين الشعب والنظام ، وبين النظام والنظام … فكيف هي إذاً تخوض الحرب مع أعدائها …؟

ها هو الشاعر نزار قبّاني يتساءل في قصيدة : “أم كلثوم والمتنبي” فيقول : “لماذا لا يُطبَّـعُ العربُ مع العرب … ولماذا يتقاتل التاريخُ مع التاريخ ، والقبيلةُ مع القبيلة واللّغةُ مع اللّغة ، ويفترسُ الإسلام نفسَهُ وتنفجر العروبة من داخلها بسيارة مفخّخة …؟”

“السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتُبِ ..” هذه لغـةُ القبائل لا لغـة الحضارات ، ولا لغة السماوات ، لغـةُ القرآن تعتبر أنّ الإصلاح بين المتنازعين واجبٌ شرعاً : “إدفعْ بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينهُ عداوةٌ كأنّـهُ ولـيّ حميم (1) ..”

في أميركا ، كانت حروب عنصربة بين السود والبيض حسَمَها الرئيس إبراهام لنكولن بتحرير العبيد 1863 ، وإنْ كان قد دفع اغتيالَهُ ثمناً لها .

وفي أوروبا دامت الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت ثلاثين سنة، حُسِمَتْ أخيراً بمعاهدة بنسلفانيا 1648 ، وحلّت الشرائع المدنية والديمقراطية والعلمانية محلّ النزاعات ، فسادَ فيها الإستقرار وحكْمُ النظام .

عندنا ، الأنظمة والدساتير والشرائع والقوانين تخضع لمنطق العنف في الصراع السياسي والديني والسلطوي ، فإذا ضحايا الشعوب العربية التي تتساقط كالقرابين على مذبح قدسيّة الحكام تفوق ما يتساقط على حـدِّ سيوف أعدائهم .

هذا يعني أنّ الإنسان في هذا العالم هو مجرّد آلـةٍ ميكانيكية تتزوّد في حركتها بالزيت المحروق ، وعليها أنْ تظلّ تحرق الزيت أمام أقدام الآلهة الوثنيّين .

ولفرْطِ ما مورس ضـدّ الإنسان العربي من أشكال العنف والظلم والكبْت، حوَّلناهُ إلى رجلٍ إرهابيّ تحاذرُه المجتمعات الغربية المتمدّنة ، وتتحاشى إختلاطَهُ في مجتمعاتها .

هل نستغرب مع هذا ، كيف أنَّ عالم الغرب يتباطأُ في نجْـدَةِ الإنسان المقهور عندنا ، ما دمنا نحن لا نحترمُ كينونةَ هذا الإنسان بحكمِ كونهِ قيمةً إنسانيةً وروحية ، فيما الإنسانُ في المفهوم الفلسفي والروحي هو الموجود الكونيُّ الأعظم ، والدولةُ والشرائعُ والأحكام وُجِدتْ من أجل تحقيق فضيلة إنسانيَّتهِ الإلهية والكونية .

من المؤسف أن نرى في القرن الواحد والعشرين أشباحاً تُـطلُّ من نوافذ التاريخ بالرؤوس السود مستعيدةً حكم أدولف هتـلر الذي جعل الدولة معبودَهُ الأسمى وسخَّرها آلـةً عنفيَّةً على حياة الإنسان ، مثلما تعتبر إسرائيل أنَّ الدولة عجْلُها الذهبي ، وباسمِ هذه الدولة صُلبَ المسيح .

أفَمَا آنَ لقادة السبعِ والخمسين دولةً عربية وإسلامية أن يتواجهوا مع رهانٍ تاريخي يحتِّـم إبرامَ معاهدةٍ لحقْنِ الـدمِ العربي والإرتفاع بقيمة الإنسان إلى مستوى القمَّة الإنسانية …؟ وعبَـثاً يواجهون عدوَّهُم الإسرائيلي وخلفَهمْ شعوبٌ مقهورة .

إلاَّ إذا كان العرب ما زالوا على ما قال فيهم الملك عبد العزيز بن سعود ذات يـوم : “إنَّ العرب يفكِّرون بآذانهم .”

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 – سورةَ فُصِّلتْ القرآنية : 34

 

عن جريـدة الجمهورية

بتاريخ : 17/11/2023

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى