لقاءاتُ بكركي ومار سركيس
بقلم : الوزير السابق جوزف الهاشم
في رسالةٍ بعـثَ بها جبران خليل جبران إلى الأديبة اللبنانية “مَـيْ زيادة” جاء فيها :
“في 26 شباط 1924 كان خلافٌ بين إهدن وبشرّي ، ولقد زال هذا الخلاف بعدمادعَتْ جمعيةُ الشبيبة البشرَّاوية ، زميلتَها جمعيَّـةَ الشبيبية الإهدنيّة إلى وليمةٍ في مار سركيس في بشرّي .. ثـمَّ دعَت الشبيبةُ الإهدنيّةُ الشبيبةَ البشرَّاوية إلى وليمةٍ في مار سركيس في إهدن ، فبدا أنّ الخصام وكأنّـهُ بسبب “المار سركيسَيْن …(1)”
ما رأيُ غبطة البطريرك بشارة الراعي لو راح يعالج الخلاف الماروني – الماروني بدعوة المتخاصمين إلى وليمةٍ في كلِّ من مار سركيس بشري ، ومار سركيس إهدن ، ما دام الخصام وكأنّـه بسبب القدّيسَيْن .
أليس أنّ : “الراعي الصالح متى أخْرجَ خرافَـهُ يذهبُ أمامها ، والخرافُ تَتْبعـهُ لأنها تعرف صوتَـهُ ..؟(2)”
لماذا ، لا تتْـبعُ الخرافُ الراعي ، ولماذا لا تعرفُ صوتَـهُ ، ولماذا تتفرَّقُ الغنمُ ليكون الذئبُ راعيها …؟
الخلافات في المسيحيّة كانت منذ نشوئها ، ويـوم راح التلاميذ يتنافسون على المقام الأول وصدارة الوجاهات ، حسَمها المسيح بالقول : مَـنْ أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكنْ لكم خادماً .(3)”
وهكذا كان بين الرسولين بطرس وبولس إختلافٌ بلـغَ أحياناً حـدّاً من الشدَّة ، ولكنّه كان على طريق التبشير ، لا على طريق “بعبـدا” .
ما دامت بعبدا ، أصبحت شبيهةً بجزيرةٍ لنَفْـيِ الرؤساء لا موقعاً لحكم الرؤساء ، كمثل ما كانت جزيرة “ألبـا” في البحر المتوسط مكاناً لنَفْيِ نابوليون ، وجزيرة القديسة “هيلانه” في البحر الأطلسي مكاناً لنفْيِـهِ الثاني ، فلستُ أدري ما إذا كانت هناك جزيرةٌ في البحر الأحمر لنفْـيِ الإستحقاق الرئاسي اللبناني .
هذا النوع من اللقاءات المارونية المبتورة تحت قبّـة بكركي ، لا يوحِّـدُ صفّـاً ، ولا يؤكّد حقـاً ، ولا يحقّـق هدفاً ، إلاّ إذا كان هناك إطارٌ ماروني شامل ، راجحُ التمثيل ، متعدّدُ الطاقات والفاعليات ، تضطرّ الأحزاب المارونية أنْ تكيّف معه نفسها ، وإلاّ عزَلتْ نفسها .
لا يكفي .. أنْ يطرح لقاءُ بكركي ورقـةً يطالب بها : “بانتخاب رئيس والتأكيد على الشرعية ، وبناء دولة مستقلّة ، والتمسّك بالمناصفة ، ومعالجة أزمـة النازحين ، وإعادة وجـه لبنان الحضاري ، وصـونِ علاقته بالعالمَيْـنِ العربي والدولي”.
هكذا … كأنّكَ تقـرأ فصلاً من رسائل الرسل بهدف الهداية ..
أمّا ، كيف وبمَـنْ وبأيّ منهجيّـةٍ وأسلوبٍ وطاقة ضاغطة …؟ فالجواب يبقى غامضاً …؟
إلى مَـنْ توجّـهُ ورقـةُ بكركي هذه الوصايا …؟
إلى أيِّ دولـةٍ ، أيِّ سلطةٍ ، أيّ حكومةٍ ، أيّ برلمان .. إلى أيّ مندوبٍ من ممثّلي الدول الخمس …؟
إذا ، لم يكنْ وراء هذه المطالِبِ ، مُطالبٌ يتمتّع بثقـلٍ شعبي وتأثير معنوي ضاغط … إذاً ، تفضلوا وصلّوا بالخمسةِ رحمةً عليها جميعاً .
كنتُ ، ولا أزال أتمنَّى لو أنّ غبطة البطريرك الراعي يتولّى ما تـمَّ الإتفاق عليه ، بيني وبينـهُ بمـا يحقّـق هذا الثقل الشعبي والمعنوي في هيكليِّة واسعة جامعة ، مسموعةِ الصوت ، مرموقةِ الجانب ، تؤكّـد حقَّها المرتعش ، وتحصّنُ نفسها ضـدّ شتَّى وسائل الإستهداف .
أُذكـرَّ مـرةً بعد ، بمذكّرات الأباتي بولس نعمان : “أنّ فؤاد افرام البستاني ، قال للرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل في الجبهة اللبنانية إنَّ الشعب الماروني كان دائماً أهـمّ من قياداته …”
وهذا يعني : إنْ لـمْ يكُنْ هناك قيادةٌ مهمّة وشعبٌ مهمّ ، فما لنا إلاّ أنْ نتبادل إقامة الولائم في مار سركيس .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – مي زياده : كتاب الشعلة الزرقاء : ص : 146 .
2 – يوحنا : 10 : 3 – 4 .
3 – متى : 20 : 26 .
عن جريدة الجمهورية
بتاريخ : 26/4/2024