محليات

وثيقة بكركي خريطة طريق للثوابت

كتبت سابين عويس في” النهار”: يستشعر الشارع المسيحي، ويلاقيه في هواجسه الغرب، مخاطر وجودية حقيقية تهدد الكيان. ويزيد خطر هذه الهواجس، غياب المكون السني وتراجع المكون الدرزي عن المشهد السياسي، في استسلام كامل للشيعية السياسية الحاكمة. ولعل هذه الهواجس معطوفة على حرب غزة تكشف ملامح المقايضات الجارية على الرئاسة والنظام، ما دفع بكركي إلى رفع وتيرة الصوت لتفتح أبوابها أمام حوار عميق وجدي قائم في الأساس على الثوابت الوطنية التي تنادي بها.

وثيقة بكركي ليست أمراً مستجداً كما يقول مصدر كنسي، بل بدأ العمل عليها بعد أشهر قليلة على انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وتبيّن النيّات التعديلية للإبقاء على الشغور، علماً بأن الهدف منها لم يتعلق يوماً بملء الشغور، بل بالذهاب نحو تفاهم وطني على الثوابت. وهذا ما يسقط عنها طابع الورقة المسيحية. ليست من خارج الدستور، يضيف المصدر، بل تنطلق من مسلّماته وتدفع نحو ملاقاة الطوائف الأخرى في حماية وتحصين الشراكة الوطنية.

ما الذي دفع إلى خروج الكلام عن الوثيقة إلى العلن بعد أشهر من الإعداد والعمل الصامت؟
٣ مخاطر وجودية أقلقت بكركي ومعها فريق كبير من المسيحيين، وتظهرت أكثر مع اندلاع حرب غزة: التدمير المنهجي للمؤسسات ولهوية لبنان بمختلف مشاربها، الأكاديمية والثقافية والمصرفية والطبية والتعليمية.. على نحو بدا واضحاً أن لبنان بدأ يخسر ميزاته التفاضلية في ظل الإهمال والاستهتار في مقاربة الأزمات المتفجرة تباعاً.

الخطر الثاني تمثل بالتعطيل الممنهج أيضاً للشراكة المنصفة من خلال فائض قوة يفرض أداءً وممارسة أفقدت البلاد توازنها، فيما بدا الخطر الوجودي الثالث في عملية المقايضة الجارية حول الرئاسة والنظام.

واللافت أن الوثيقة تتقاطع في جزء هام منها مع وثيقة تبنّاها الفاتيكان قبل فترة، ويتحرك خارجياً بموجبها ضمن ما يعرف بديبلوماسيته الصامتة، وهي ليست بعيدة من الوثيقة الراهنة التي يشكل الكرسي الرسولي سنداً لها.

الأكيد أن الوثيقة ليست للتداول الإعلامي، وسط حرص بكركي على عدم تسريبها أو التداول بها قبل أن تبلغ خواتيمها، بعد تلقي ملاحظات كل القوى السياسية والقيادات المسيحية التي دخلت في حوار ونقاش جدي حولها، تمهيداً للوصول إلى تبنّي ورقة متكاملة يتوافق عليها الجميع، ليصار إلى عرضها على المكونات السياسية في الطوائف الأخرى. كما أن الأكيد أن لا خلفية مسيحية لها كما يسعى رئيس التيار الوطني الحر، في محاولة تلقفها وتبنّيها على قاعدة أنه صاحب المبادرة في دعوة بكركي إلى استضافة حوار مسيحي. ذلك أن عمر الوثيقة يعود إلى أشهر خلت، عندما كان التيار لا يزال في أحضان الحزب وعلى شراكة وتفاهم كاملين معه، على نحو كان فيه جزء من تدمير الشراكة التي يطالب بها اليوم.

هل يمكن أن يصل تحرك بكركي والى أين؟
يجيب المصدر الكنسي بالقول إن أهمية التحرك اليوم أن بكركي ليست وحيدة فيه، بل تؤدي الدور القيادي والريادي الذي يذكّر بالبيان التاريخي للمطارنة الموارنة في عام ٢٠٠٠. وهي لا تحظى بتجاوب القوى المسيحية فحسب، بل أيضاً باهتمام المكوّنين السنّي والدرزي، اللذين من شأنهما أن يضعا المكون الشيعي أمام مسؤوليته في تقبل التوافق المسيحي السني الدرزي على الشراكة الوطنية. وهو يحظى أيضاً بالرعاية الإقليمية والدولية التي يعبّر عنها تحرك سفراء اللجنة الخماسية، وقد زاروا الصرح أمس ضمن جولاتهم على القيادات السياسية.

لا ضمانات بنجاح التحرك والوثيقة وعدم انفراط العقد القائم اليوم على مستوى المشاركين فيها، كما يكشف المصدر، وإنما هي المرة الأولى التي تلمس فيها بكركي جدية في رسم مسار واضح المعالم يمكنه أن يشكل خريطة طريق وبوصلة تتحصّن بهما، قائمتين على ثوابت مستندة إلى الدستور والشرعية الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى