الراهبة مايا زيادة صلّت للجنوب والمقاومة من الإنجيل المحرّضون ضدّها لم يقرؤوا الخطر الصهيوني… ويعملون لمشروعه
كتب: كمال ذيبان
ليست الراهبة مايا زيادة استثناء مسيحيا، وتحديدا مارونيا، في موقفها المتضامن مع الجنوب والمقاومة وفلسطين بوجه العدو الاسرائيلي، والتي دعت تلامذة مدرسة “الحبل بلا دنس” في بلدة غبالة الكسروانية الى الصلاة لاطفال يحلمون مثلهم.
فنموذج الراهبة زيادة هو حالة مسيحية طبيعية، نابعة من الانجيل ومن سيرة السيد المسيح، الذي واجه الطغاة وقاوم كل من وقف ضده في مسيرته، لنشر المحبة والتسامح والعطاء، فتم قتله مصلوبا من قبل اليهود وهم تجار الهيكل، الذين دعا يسوع الى طردهم منه، وهؤلاء هم الذين قتلوا الاطفال في بيت لحم، عندما علموا بولادة يسوع ابن مريم.
فلقد سبق الراهبة زيادة العديد من المفكرين المسيحيين من كل المذاهب المسيحية، ان حذروا من الخطر اليهودي على فلسطين. فمنذ ان ظهرت الحركة الصهيونية في العام 1897 بمؤتمر عقد في مدينة بال السويسرية، كتب الشيخ يوسف الخازن ابن كسروان، في العام 1917 يحذر من الخطر اليهودي، ومثله الكثير الكثير الذين نبهوا الى المشروع الصهيوني باقامة “اسرائيل الكبرى”، من “الفرات الى النيل” ويمتد الى لبنان، والذي عملت الحركة الصهيونية على تحقيقه، فكان وعد وزير خارجية بريطانيا ارثر بلفور باقامة “وطن قومي لليهود”، الذي تحقق في انشاء الكيان الصهيوني عام 1948 ، والذي بدأت معه مأساة الشعب الفلسطيني قتلا وتهجيرا وابادة، مع استقدام اليهود من العالم الى “ارض الميعاد”، وتحقيق ما ورد في التلمود والتوراة من مزاعم حول ان فلسطين هي “اسرائيل”، لانها “ارض بلا شعب لشعب بلا ارض”.
هذا الاستعراض التاريخي للمشروع الصهيوني، الذي توسع في حرب العام 1967 واقام المستوطنات، هو ما عبرّت عنه الراهبة زيادة التي قرأته جيدا، وشاهدته ينفذ في غزة ويهدد لبنان، فانطلقت من فهمها للخطر الصهيوني، الذي حذر منه ايضا انطون سعاده باعث النهضة القومية الاجتماعية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.
وما عبّرت عنه الراهبة زيادة، هو ما فعله آخرون من رهبان ومطارنة وبطاركة من مختلف الكنائس المسيحية، فكان المطران ايلارون كبوجي، الذي بات قدوة لرجل الدين المسيحي المقاوم على طريق القدس، لحماية كنيسة القيامة ومهد السيد المسيح، فسجنه الاحتلال الاسرائيلي ليصبح رمزاً، وكان يردد دائما ان الصهاينة هم اعداء، ووجه رسالة الى الغرب اولاً وللفاتيكان ايضاً، شارحا ما يتعرض له الفلسطينيون والمسيحيون منهم، الذين يتم طردهم من ارضهم ومنازلهم للاستيلاء عليها، واستقدام مستوطنين يهود اليها، وانهاء الوجود المسيحي في فلسطين والمنطقة.
لكل هذه الاخطار، كانت صرخة الراهبة زيادة، فلفتت الانظار في موقفها الايماني والوطني كمسيحية، ان يصدر منها هذا الكلام الذي هو كلام الانجيل لا اكثر ولا اقل، فهي لم تتحدث في السياسة، بل بالايمان المسيحي الحقيقي، لان من يدّعون انهم مسيحيون في لبنان والخارج “تصهينوا”، وساروا في المشروع اليهودي، الذي لا يعترف اليهود بمجيء السيد المسيح، فاخترقوا المسيحية ولعبوا في نصوص الانجيل، واسسوا لحركة “مسيحية متصهينة” تنتظر عودة او ظهور السيد المسيح، وشرط ذلك ان تقوم “اسرائيل الكبرى”، وهذا ما اثرت فيه الحركة الصهيونية على العالم، لا سيما في اميركا وبعض دول اوروبية.
ولاقت الراهبة زيادة احتضاناً شعبياً لها، لانها عبّرت عن حقيقة الرسالة المسيحية التي تقف مع المظلوم ضد الظالم، فكيف اذا كانوا من يتعرضون للابادة، هم اهل السيد المسيح في فلسطين، حيث يقول مرجع ديني مسيحي ان موقف الراهبة هو ما يجب ان يكون عليه موقف الكنيسة المارونية التي تنتمي اليها زيادة، لجهة الصلاة من اجل الجنوب ورجال المقاومة، وقد يكون ازعج ورود المقاومة في دعوتها للصلاة. هذا الاستنفار الحربي والسياسي، من قبل احزاب وقوى سياسية ورجال دين يدعون الى “الحياد” في الصراع مع العدو الصهيوني، لانه لا يمثل خطراً على لبنان، وهذا الامر لا علاقة له بالرسالة المسيحية التي هي نقيض اليهودية ومشروعها الصهيوني.
وقام بعض مَن ينتمون الى احزاب لها تاريخ في العلاقة مع العدو الاسرائيلي وتقوم على الطائفية، بالتحريض على الراهبة زيادة، وبانها لا تمثل الموقف الماروني الذي تعبّر عنه بكركي، وبان ما يحصل في الجنوب مفروض على لبنان من قبل حزب الله، الذي هو امتداد لمشروع ايران في المنطقة وذراعها، التي تورط لبنان في حرب غير معني بها، وفق ما يؤكد مرجع كنسي، والذي يشير الى ان الكنائس الاخرى في لبنان والمنطقة كالاورثوذكسية والكاثوليكية والارمنية والاقليات المسيحية، لم تعبر الا عن تضامنها مع الجنوب والمقاومة فيه، كما مع فلسطين، الم تقصف “اسرائيل” الكنيسة المعمدانية في غزة ودمرتها حيث يعود تاريخ بنائها الى قرن، ومثلها المستشفى المعمداني، ووجود المسيحي في غزة يعود الى بدء الرسالة المسيحية، التي انطلقت من فلسطين الى العالم.
فالراهبة زيادة شكلت حالة، وحرّكت الضمير بانه لا يمكن السكوت عما يلحق بلبنان وفي جنوبه تحديداً من عدوان اسرائيلي، ترد عليه المقاومة التي حيتها الراهبة زيادة، وهذا ما اغضب دعاة الاستسلام امام العدو الاسرائيلي. فالتحريض عليها بانها مع المقاومة، لا يفيد المحرضون، والدعوة الى اتخاذ اجراء ضدها سيأتي من الفاتيكان، وهو لن يفعل ذلك لانه سبق للبنان ان دعا للصلاة ايضا للبنان وغزة.
فكما ظهرت الاديبة مي زيادة في القرن الماضي كصاحبة دعوة للتحرر، واتهمت بانها مجنونة، فان مايا زيادة هي في القرن الواحد والعشرين المتهمة بحبها لشعبها وللجنوب والمقاومة، ويتم التحريض عليها