الرئاسة وصلاةُ الغائب في بكركي
بقلم : الوزير السابق جوزف الهاشم
لأنّ الإستحقاق الرئاسي في لبنان ، أصبح شبيهاً بالأساطير الخرافية القديمة عند اليونان ، راح المسيحيون يتساءلون : لماذا كلّما استحقّ انتخاب رئيس للجمهورية ، ينبتُ العشبُ على مدخل المجلس النيابي ، تتعرَّضُ الديمقراطية للإغتصاب ، ويصبح الدستور خاضعاً لتنجيم المنجِّمين في ساحة النجمة …؟
فيما انتخاب رئيس للمجلس النيابي ، يتمُّ بين غمضةِ عيـنٍ وانفتاحها ، ويتمّ اختيار رئيس للحكومة إلزاميّاً في استشارات نيابية …؟
ويقول المسلمون في المقابل : لماذا عند كلّ استحقاق رئاسي ، يتصارع القادة المسيحيون على جلدِ الـدبِّ الذهبي ، قبل اصطياد الـدبّ ، وتندلع حرب المواجهة الرئاسية ، فتُرفَعُ فيها الصلبانُ المعقوفةُ ، على غرار المصاحف التي رفعَها “معاوية” في حربـه ضـدّ الإمام علي بن أبي طالب …؟
لعلّ إطلالةَ الشغور الرئاسي تكشّفتْ منذ أنْ كان انتخاب مخايل الضاهر أو الفوضى … فكان اختيار الفوضى .
بلْ قُـلْ : منذ أنْ بـدأ استهدافُ الرؤساء باغتيال رئيسين للجمهورية ، وكأنّ شيئاً لم يكن ، ويخشى مع : “كأنّ شيئاً لم يكن” أنْ ينتهي هذا الشغور باغتيال مارونية الجمهورية وسائر أخواتها .
قبل انتخاب الرئيس ميشال سليمان استمرّ الشغور الرئاسي في ظـلّ التفكّك الماروني تسعةً وعشرين شهراً ويزيد ، لو لم يكن الإنقاذ على يـدِ “مارونية” الدوحة في قطـر .
وقبل انتخاب الرئيس ميشال عـون تفاقم شـرُّ الشغور الرئاسي ، إلى حـدِّ السنتين ونصف السنة ، فكان اتفاق “معراب” كورقةِ وردٍ فوق كأسٍ ملأى بالنبيذ الأحمر ، فراحت العقول تنتشي برائحة الخمر لا برائحة الورد ، وكان في ذلك اليوم خمـرٌ ، وفي الغـدِ اللاّحق غـدرٌ وأمْـر .
هناك من يقول : إذا ما أجْمـعَ القادةُ المسيحيون على مرشح رئاسي ، يصبح المسلمون محرجين على تأييده ، وكأنّ هناك مراهنةً على الإنقسام المسيحي الشائع : شيَعاً وأحزاباً تطغى فيه شهوةُ الذات ، ويتداخل فيه الخاص والعام حتى يتلاشى العام في أغراض الخاص .
ويذهب بعضُ الخبثاء إلى التلميح : كيف تتخادع الأحزاب المارونية وتتّـفق حول انتخاب المرشح الرئاسي : جهاد أزعور ، ولا تتّفـق وتوحّد صفوفها حول المرجعية المارونية في بكركي …؟
من هنا ، اقترحتُ على غبطة البطريرك مـرّةً واثنتين طرحاً ، من شأنـه أنْ يُحـرج القيادات المارونية في الإلتفاف حـول بكركي ، ويحصّن مرجعيّتها ، ويتخطّى الرتابة الكلاسيكية لمواجهة الشواغر والإستحقاقات الوطنية الداهمة ، وكان غبطته في كلّ مـرة يوافق على الطروحات بإيجابية فائقة ، حتى إنني استأخرتُ الموعدَ الذي حـدّده للتنفيذ بسبب توافقه مع زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان .
أما بعد ، فقد كان لجدران بكركي آذان ، وكانت الوشوشة على تعدّدها تحول دون التنفيذ ، والأذن تعشق قبل العين أحياناً .
كلُّ نظام لا يستطيع أن يحقّـق التغيير إلاّ بالنخبة التي تكون في مستوى استراتيجية النظام ، يقول المفكر عبد الرحمان الصلح : “أليسَ من العيب أن تُختصرَ الطائفة المارونية بأقطابٍ أربعة بل بأربعين(1) …؟”
وكلّ حـدثٍ لا تصحّ مواجهتُه إلاّ بموقف في مستواه يقول الشاعر :
مَنْ ليسَ يحميـهِ الحسامُ فليسَ تحميـهِ الصلاةُ
خُلِقَ الردى للضعفِ لا تحمي الضعيفَ تضرُّعاتُ
فإذا تكلَّمتِ المدافعُ فالشرائعُ صامتاتُ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – عبد الرحمان الصلح : جريدة النهار : 14/8/2016 .
عن جريدة الجمهورية
بتاريخ : 1/3/2024