طالما “الفرصة الذهبية” متاحة: الأمس أفضل من اليوم!

اورتاغوس لم تتحدث باسمها الشخصي ولا بصفتها موفدة لترامب إنما باسم المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المقرضة والمانحة. وبانتظار ما يجري في طهران فان اورتاغوس تلمّست ما لم يلمسه أي موفد أميركي او غربي من قبل.
الجمهورية – جورج شاهين
في نهاية مهمّتها في بيروت على مدى أيامها الثلاثة، وما رافقها من صمت مطبق، ألقت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان اورتاغوس الضوء سريعاً على العناوين الأساسية في إطلالتها التلفزيونية، ووضعت بعبارات قليلة حداً لبعض السيناريوهات الهمايونية التي تمّ التداول بها بما فيها رواية التطبيع، ومعها عناوين أخرى لجأ البعض للتبرير أو التهويل في أكثر من اتجاه، كما بالنسبة إلى الساعين لتأجيل البحث في مصير السلاح غير الشرعي. وهذه بعض المؤشرات والدلائل.
فرضت المناقشات التفصيلية التي تناولتها اورتاغوس مع المسؤولين اللبنانيين لقاءً عاجلاً بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، لتقييم النتائج التي انتهت إليها، ولا سيما منها تلك المتعلقة بملفين أساسيين هما استكمال تنفيذ القرار 1701 ومندرجاته كافة، كما بالنسبة إلى الملفات الإصلاحية التي على العهد المباشرة بها. ولذلك، فإنّ التنسيق واجب بين السلطتين الإجرائية والتشريعية على خلفية السعي إلى الإسراع في إعدادها وإصدارها وتأمين الظروف الفضلى للبتّ بها. فلا تأتي المشاريع ناقصة او أن يعتريها بعض العيوب لتقلل من أهميتها وفاعليتها قبل البتّ بها بالسرعة القصوى، لتعطي مفاعيلها في التوقيت المناسب، وخصوصاً على مستوى استعادة الثقة الدولية والداخلية المفقودة بأداء الدولة ومؤسساتها كافة.
وعليه، فإنّ اللقاء بين عون وبري اكتسب صفة التنسيق المباشر عشية البتّ بعدد من المشاريع المطلوبة، ولا سيما منها تلك المتصلة بهيكلة القطاع المصرفي واقتراح تعديل قانون السرّية المصرفية، لوضعها على الطريق السريع نحو اعتماد الآليات الدستورية والقانونية التي تفتح لها الطريق من منبعها في مجلس الوزراء في اتجاه مقصدها في السلطة التشريعية، فتأتي متناسقة في شكلها وتوقيتها ومضمونها، لضمان إصدارها في سلة واحدة بإجماع يحتاجه الوضع الداخلي في البلد، قبل الحديث عن مصلحة أي طرف اقليمي أو دولي، ولقطع الطريق على أي محاولة للتقليل من أهمية أي خطوة إن جاءت متزامنة مع ما يكملها ويحميها، توصلاً إلى ما هو مرتجى من النتائج. فليس هناك حاجة للبتّ بقوانين منفردة بمقدار ما هي مطلوبة كسلة واحدة وجامعة، قبل الدخول في أي مفاوضات مع صندوق النقد الدولي أو المؤسسات المالية الدولية والإقليمية الشبيهة التي تشكّل مصدراً للتمويل، سواء عن طريق الاقتراض او الهبات والمساعدات.
وعليه، وبعد الاطمئنان إلى عدم وجود أي دعوة للتطبيع مع العدو الإسرائيلي كما روّج البعض لأهداف متناقضة، فقد تركّز البحث على خلفية القوانين الإصلاحية التي تناولتها اورتاغوس، ليس باسمها الشخصي او كونها موفدة للرئيس الاميركي دونالد ترامب فحسب، لا بل فإنّها بما أثارته تحدثت باسم المجتمع الدولي والمؤسسات المانحة، وهو ما أشارت إليه بوضوح في إطلالتها التلفزيونية التي شكّلت مناسبة للحديث عن كل ما أثارته مع الذين التقت بهم من المسؤولين الكبار، وخصوصاً في ما يتعلق بهذه الخطوات الإصلاحية بوجوهها الإدارية والمالية والقانونية، والتي تساوت في مكانتها مع الخطوات الأمنية والعسكرية المطلوبة، وخصوصاً على مستوى البحث في مصير كل سلاح غير شرعي، في خطوة تتجاوز البحث في مصير سلاح “حزب الله” او أي فصيل مسلح آخر لبنانياً كان أم فلسطينياً، ما زال يحمل سلاحاً خارج سلطة الدولة ومؤسساتها المعنية بأمن اللبنانيين وجميع المقيمين على اراضيها بلا استثناء.
هذا على مستوى الإصلاح الإداري وما يمكن أن تعكسه التعديلات المقترحة على بعض الأنظمة والقوانين، ذلك أنّه لا بدّ من البحث في الخطوات العسكرية والأمنية التي عليها أن تواكب مسيرة الإصلاحات، حتى إن أُنجزت تشكّل ضماناً لتنفيذها والمضي في تحقيق كل ما هدفت إليه في أجواء هادئة. وهو أمر لا يتحقق ما لم يتناول البحث مصير الاحتلال الإسرائيلي لمناطق ما زالت تحت سيطرة قواته، تمهيداً لوضع المنطقة في عهدة الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” من دون أي قوة أخرى محلية او غريبة، كما قال القرار 1701 الذي تمّ إحياؤه عقب الحرب الأخيرة. ولذلك كان تقييم الرجلين للمرحلة إيجابياً. فعبّرا معاً عن ارتياحهما إلى نتائج زيارة اورتاغوس التي تبلّغت موقفاً لبنانياً موحّداً حيثما حلّت، وهي باتت تدرك انّ ذلك لم يكن ليحصل مع أي موفد أميركي او غربي وعربي من قبل. فالرهان الخارجي ولدى بعض الداخل على استمرار وجود أكثر من رأي وموقف في لبنان بات مرحلة عابرة ولن تتكرّر. وهو ما يشكّل دافعاً قوياً للتعاطي بصلابة مع أي مبادرة خارجية، فلا يخشى بعدها اللبنانيون من أي محاولة للاستثمار في الخلافات بين أهل الحكم والعمل على تسعيرها، حيث انّها في مراحل عدة أدّت إلى تعطيل أي خطوة تساعد في تجاوز المرحلة بكل مظاهرها الصعبة.
وفي اعتقاد المسؤولين، انّ ما سيتلمّسه الموفدون الأجانب قد يكون جديداً وغير مسبوق. فتوحيد المواقف يعزز الخطوات الداخلية والخارجية، ويؤمّن أفضل الأجواء للتنسيق مع القوى التي أبدت نيتها بمساعدة لبنان للخروج من مدار الزلازل التي شهدتها المنطقة وما زالت معرّضة لترددات قد تكون اكثر قوة وتاثيراً، بالنظر إلى حجم القوى المنخرطة في النزاع الدموي التي تشعبت وتوسعت رقعتها على مساحة الإقليم ولم تعد محصورة ضمن الحدود الجغرافية الخاصة بالبعض منها، كما هو الوضع في قطاع غزة ولبنان ومثلهما في سوريا والعراق واليمن وصولاً إلى العلاقة مع إيران. وهو أمر سيدفع إلى البحث عن آلية أخرى تلجأ إليها طهران بسبب ما بات ينتظرها من استحقاقات دهمتها مباشرة، بعدما تجاوزت مواقع أذرعها في المنطقة لتمتد مفاعيلها إلى عقر دارها. وهو ما سيجبرها على اتخاذ قرارات تؤدي إلى تحجيم وجودها خارج أراضيها بقرار طوعي يؤدي إلى انسحابها من جانب واحد توفيراً لمزيد من الدم والخراب والدمار، ووقف تمدّد وانتشار قوى تمثلها او تنوب عنها في المنطقة لمصلحة الأمن القومي لهذه الدول، ومنها تلك المهدّدة في كيانها نتيجة قيام ما يشكّل “دويلة ضمن الدولة”.
على هذه الخلفيات تحرص مراجع سياسية وديبلوماسية على الإقرار بضرورة اغتنام الفرصة الذهبية التي مثلت أمام اللبنانيين. فالقبول بما هو مطلوب من المسؤولين اليوم أرخص بكثير من غد، وكما ضاعت فرص أخرى كان يمكن استثمارها لتوفير كثير من معاناة اللبنانيين وما تكبّدوه من دم ودموع ودمار، بات عليهم اليوم التطلع إلى الإفادة من هذه الفرصة مدخلاً إلى ما يطمح اليه الجميع من أمن واستقرار ورخاء قد يكون ممكناً في الأمس قبل اليوم ومستحيلاً في الغد وعليه، هل يتفهم اللبنانيون هذه الحاجة، أم أنّهم سيثبتون مرّة اخرى أنّهم ملوك الفرص الضائعة.